صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

الاتفاق الإطاري: طريق آخر من ضفة الثورة: قيادة الثورة والدولة (٣)

شارك هذه الصفحة

يمثل موقف قيادة الثورة من قضية تورط مسؤولين في الدولة في انتهاكات جسيمة (تشمل الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتعذيب والاختفاء القسري)، أحد أهم المواقف السياسية المعلنة لحلحلة إشكالية المحاسبات وعدم الإفلات من العقاب. وذلك عبر مفهوم العفو القانوني- القضائي- المشروط.

العفو السياسي المطلق الذي منحته قيادات قوى الحرية والتغيير، تحت غطاء “الحصانة الإجرائية”، يتعارض مع القانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة ومبادئها العامة. وتقبل الأمم المتحدة، وتلتزم السياسة العامة للأمم المتحدة القائمة على رفض تدابير العفو عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك في سياق مفاوضات السلام، والتي استندت على خبرة متراكمة من نزاعات عديدة  فشلت في أن تحقق الأهداف المرجوة منها.

وتطرح المنظمات الدولية العفو القانوني- القضائي- المشروط، ليس عفوا عن الجريمة، بل هو عفو من عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لهؤلاء الجناة. وهي خضوع الأشخاص المتهمين لكافة إجراءات التقاضي، من تكوين لجان تقصي حقائق وطنية أو مختلطة أو بعون من المجتمع الدولي، وتقديم الأدلة والمقاضاة لتحديد المسئولية الفردية. ويعفى المجرم المدان إذا طلب العفو (أي الدخول في عملية عدالة انتقالية).

بالنسبة للأمم المتحدة، العدالة الانتقالية هي مجموعة كاملة من العمليات والآليات المرتبطة بمحاولة المجتمع للتصالح مع إرث من الانتهاكات الماضية واسعة النطاق، من أجل ضمان المساءلة وخدمة العدالة وتحقيق المصالحة.

إن عمليات وآليات العدالة الانتقالية عنصر حاسم في إطار عمل الأمم المتحدة لتعزيز سيادة القانون. تتكون العدالة الانتقالية من عمليات وآليات قضائية وغير قضائية، بما في ذلك مبادرات المقاضاة، وتسهيل المبادرات المتعلقة بالحق في معرفة الحقيقة، وتقديم التعويضات، والإصلاح المؤسسي والمشاورات الوطنية وتنسيق مبادرات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. أيا كان الجمع الذي يتم اختياره، يجب أن يتوافق مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية.

ويستلزم القبول بها والدخول فيها أربعة شروط متسقة مع القانون الوطني، والقانون الدولي، ومع السياسة ذات الأخلاق: أولا، الخضوع للملاحقة الجنائية حتى مرحلة تحديد العقوبة والقرار القضائي النهائي ثانيا: كشف حقيقة الجرائم المرتكبة والاعتراف بها ثم طلب العفو؛ ثالثا، العزل السياسي مدى الحياة، ضمانا لعدم العودة إلى تكرار الجريمة؛ رابعا، التجريد من الأرصدة والممتلكات وإحالتها لمصلحة الضحايا.

صنعت ثورة ديسمبر واستكمالها واقعا جديدا وظروف مواتية بضرورة إعادة تأسيس الدولة الوطنية على أساس الديمقراطية والمدنية وضرورة ابتعاد القوات المسلحة عن السياسة. وهي محصلة تضحيات الشعب السوداني ودماء شهدائه مابعد الاستقلال ومعاناة شعبه والأثمان الغالية التي دفعوها من أجل حلمهم بوطن أفضل. وسوف يتم القبول بالدخول في عملية العدالة الانتقالية وتوفر قبول شعبي لها وضمان التأييد من قطاعاته المتضررة من أسر الضحايا والشهداء والجرحى والمفقودين وسائر الشعب.

تشمل الحزمة عودة القوات المسلحة كقوات محترفة ومهنية تلتزم بواجباتها المنصوص عليها في الدستور حامية للوطن والدفاع عن ترابه وحماية الدستور. يستلزم هذا مراجعة بنيتها من تراتبية وقوانين ولوائح وإعادة هيكلتها لتتحول لقوات محترفة وتحديثها لقوات متطورة تكنلوجيا وفعالة وذات كفاءة.

الإطار العام لمعالجة القضية بالاستناد على تراث سوداني مترسخ وتراث عالمي لحل هذه المشكلات بعيدا عن العنف والانتهاكات عن طريق العدالة الانتقالية. وتشمل اعترافات الجلادين لضحاياهم وروايات الضحايا في جلسات استماع علانية، الاعتذار وطلب الصفح، إشراك النساء، بدءا من التمثيل في كافة اللجان بشكل متساو وفي كافة لجان الاستماع كضحايا تحملن العبء الأكبر من كل أشكال الاضطهاد والقمع. واعتماد حزم الانصاف كنظام متكامل لمعالجه الانتهاكات جسديا وسيكولوجيا وماديا ومعنويا بأشكالها المتنوعة من جبر الضرر وإحياء ذكرى الضحايا وتكريمهم وبالتشاور معهم، وذلك بإقامة التماثيل والنصب التذكارية والمتاحف، لأن المطلوب ليس النسيان ولكن التعافي وإبراء الجراح عبر الصفح والعفو.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *