صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

أسرائيل في الخرطوم.. جاءت لحظة “حاج حمد”

شارك هذه الصفحة

الطيب أحمد الطيب*

قبل أكثر من عشرين سنة، حصل محمد أبو القاسم حاج حمد (1941- 2004) على حضور لافت في الشأن السياسي والفكري، هندس الكثير من اللقاءات والاتفاقايات السياسية والتفاهمات الإقليمية، وقدم وكتب كثير من المحاضرات والندوات والمقالات الصحفية، والكتب والدراسات لا محالة.

ومع أهمية ما نشره خلال سنوات نشاطه (1964- 2004)، إلا أن كتابه بالعنوان الطويل: (السعودية.. قدر المواجهة المصيرية وخصائص التكوين.. لا حرب دون مصر.. لا سلام دون سورية.. لا تطبيع دون السعودية)، يعد نصحا بمنعرج اللوى، بالنسبة لرافضي مساعي التطبيع المتسارعة بين إسرائيل والدول في المحيط العربي والإسلامي، الإمارات، البحرين، السودان وبقية الدول المتوقع لها أن تأتي.

صدر الكتاب في العام 1996، في خضم أزمة عميقة كانت تمر بها العربية السعودية، (تفجيرات الخبر والعليا) تمخضت عنها تحليلات ومواقف ضد المملكة، وأيضا صدر الكتاب في سياق تحديات مصيرية واجهتها المملكة في مرحلة من مراحل التسوية الإسرائيلية مع الأنظمة العربية، وهي تسوية يراد لها أن تكون “هيمنة” على الوطن العربي، بتعبير حاج حمد؛ إذ يتحول الوطن العربي بموجبها إلى دائرة شرق أوسطية، قطبها المركزي الإقليمي إسرائيل، وقطبها العالمي الولايات المتحدة، طبقا لمفهوم أميركا للنظام العالمي الجديد أحادي التوجه، وقال حاج حمد وقتها إن مظاهر الأزمة السعودية كان الغرض منها “أن يرضخ النظام السعودي للتسوية والتطبيع”، وبالطبع لم يكن حاج حمد يتوقع أي استجابة أو تماه من المملكة، ويرى أن “من يعتقد بإمكانية تطبيع سعودي إسرائيلي؛ فهو واهم للغاية”.

رغم صدور الكتاب قبل زهاء ربع القرن، إلا أنه كان بمثابة نبوءة مبكرة وجرس إنذار لما يجري في المنطقة العربية، وما ستتمخض عنه سنوات الصراع.

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنه “ينضح بما فيه، فهو إذ يتناول التجربة السعودية في إطار خصائص التكوين وجدلية التطور الخاص، فإنما يطرح ذلك في سياق تحديات مصيرية تواجهها المملكة في مرحلة التسوية الإسرائيلية الراهنة مع الأنظمة العربية”.

وبالنسبة له فإن “المملكة هي المستهدفة في نهاية المطاف بهذا المخطط كله. فالتسوية الإسرائيلية مع مصر، والتي تمت إثر توقيع اتفاق كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978 إنما استهدفت تحييد مصر وعزلها، لتتحول إسرائيل بثقلها إلى الجبهة الشرقية، أو سورية الكبرى؛ حيث التداخل الجيوبوليتيكي الأشد خطرا على أمنها ومستقبلها.

وهي إذ تحاول تمرير التسوية مع سورية ولكن بشرط الهيمنة، وذلك من المستحيلات والمحرمات، فإنما تعد العدة لغاياتها النهائية الكامنة في التطبيع، وهنا يأتي دور المملكة بهدف تركيعها وإخراجها عن خصائص تكوينها وثوابت هويتها وتجربتها.

وقد بدأت نذر ذلك منذ حرب الخليج الثانية التي أريد منها الإخلال بموازين الأمن الوطني لصالح الهيمنة الأمريكية الغربية واستنزاف ثروات المنطقة ورهن اقتصادياتها ثم ترافق ذلك، من بعد، مع الهجمات الإعلامية والسياسية الشرسة على سياسات المملكة والتشكيك في أوضاعها الاقتصادية، ثم مدوا سرا جسور العلاقات مع فئات عربية سبق لهم تأهيلها والتعاون معها في أفغانستان وفق مخطط (بريجينسكي) مستشار الأمن القومي الأمريكي و(السادات) منذ عام 1980 تحت طائلة العداء للاتحاد السوفياتي والنظام الشيوعي من جهة، ولصرف النظر بذات الوقت عن الجهاد الأصلي والمطلوب لتحرير فلسطين من جهة أخرى.

ثم هاهم يعيدون توظيف نفس الفئات وفي إطار المنطلقات الإسلامية لزعزعة الأوضاع في المنطقة تزامناً مع ضغوط التسوية (الهيمنة) الإسرائيلية مع محاولة إكسابها طابع المعارضة الشعبية الإسلامية”.

المقتطف أعلاه أورده حاج حمد ليكون بمثابة التمهيد لما يحذر منه، لكن بعد مرور ربع قرن، حدث كل ذلك، فقد تم التدخل في سوريا والعراق واليمن وليبيا وانفصل جنوب السودان، وتم حصار مصر من الجنوب والشرق والغرب بعد أن خرجت سالمة من محاولة التفكيك عن طريق القوى الإسلامية التي تحدث عنها الكتاب.

لكن أوضاع عدة تحيط بالمملكة داخليا وخارجيا، ويتعذر فهمها والنفاذ إلى خصائصها وكشف الغطاء عنها ما لم تدرك الأهمية الاستراتيجية لوضع المملكة باعتبارها “حجر الزاوية” الذي لا يمكن دونه إقامة صرح التطبيع.

من هذا المنطلق يتم استهداف المملكة داخليا وخارجيا، كما يرى حاج حمد؛ فإذا كان لا حرب دون مصر، ولا سلام دون مصر، فإنه لا تطبيع دون السعودية. والتطبيع هو خلاصة التسوية وغايتها، فمن دون التطبيع مع السعودية، تصبح كافة أشكال التسويات مقدمات لا نتائج لها.

بعد كل هذه السنوات، ربما اهتزت كثيرا فرضيات المنعة التي شكلت قناعات حاج حمد والآخرين ممن يقفون في صفه ضد التطبيع، لكن بالمقابل، صدقت مقولته المضمنة في عنوان الكتاب: “لا تطبيع دون السعودية”؛ ففي السنة الماضية قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، “إن التطبيع مع إسرائيل سيحدث في نهاية المطاف، في إطار خطة سلام فلسطينية إسرائيلية”.

* الطيب أحمد الطيب باحث في الدراسات الأفريقية والأسيوية


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *