صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

لماذا الخرطوم متسخة ولا يمكن التحكم في نظافتها؟

شارك هذه الصفحة

في الواقع، حصلت الخرطوم في العشر سنوات الماضية على شتيمة قاسية، كانت تضرب في اتجاهين، إذ وصفت بأنها قد (تريفت)، للإشارة إلى أن بيئتها المتسخة تليق بالقرى والأرياف، لا بالعواصم والمدن، وأن الخرطوم تم غزوها بواسطة أهل الريف بعاداتهم غير المراعية للبيئة النظيفة. 

لكن الإجابة الأكثر جذرية ليست في غزو الريفيين، إنما موجودة في تقرير أعدته لجنة متابعة لعمل هيئات النظافة بالخرطوم، كانت قد تكونت في عهد الوالي أيمن خالد نمر من فريق من الخبراء المختصين في مجال البيئة.

قبل وقوع انقلاب 25 أكتوبر، ومن مكتب صغير ملحق بمبنى حكومة ولاية الخرطوم، كان المستشار محمد بابكر يقود فريق العمل المتخصص “لتلافي اتساخ العاصمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه”، وفي أقل من السنة يقول بابكر إنه “أمسك مع فريق العمل بالخيوط وعرف السر وراء التردي الظاهر للبيئة وتفاقم الأوساخ”، وأعد التقرير الذي يمكن البناء عليه.

انطلاقا من ذلك، بدأت حكومة ولاية الخرطوم الانتقالية في وضع خطة للنظافة لكن بعد الانقلاب كان كل شيء قد انتهى.

كانت الخرطوم تنتج نفايات تصل إلى 3229 طن في اليوم تقريبا، مما يجعلها عرضة لعلامات سيئة في القياس الأساسي لاحتمالات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالمخاطر البيئية (لا توجد بيانات محصية).

تخصص الخرطوم نحو (535) من الآليات لأعمال النطاقة، لكن لا تعمل منها سوى 314 وخالطتها الكثير من عمليات السرقات للورش والآليات وقطع الغيار، حتى أصبحت العربات مجرد (أكوام خردة)، وكان بعضها قد تم شراؤه بين الأعوام (2016- 2018)، ويقدر حجم الخراب فيها بنحو (50 مليون دولار) بحسب تقرير لجنة المتابعة.

وترافق مع ذلك ترهل وظيفي في هيئات النظافة الفرعية (7 هيئات) بما نسبته موظف مقابل كل عاملين مؤقتين، أو موظف لكل عامل ونصف في بعض الحالات، كما أظهره التقرير، وأحيط العمل في السابق بقررات تضمن مصالح المتلاعبين في النفايات التي أصبحت لها قيمة سوقية.

ولتلافي كل هذا الأمر تم اقتراح تشريع لإنشاء هيئة نفايات متخصصة، هي (الإدارة المتكاملة للنفايات) كما يقول مستشار الوالي المقال محمد بابكر، مهمتها ضبط بيئة الخرطوم باستصحاب الطرق العلمية والتشريعات الفعالة الملزمة.

تواجه أعمال النظافة في الخرطوم بمصاعب جمة، تسبيها قرارت متساهلة وشركات وجماعات منظمة تعمل بدأب على الاستفادة من أوضاع البيئة في الخرطوم. وفي السنوات القليلة ما قبل ثورة 2019، تعاقدت ولاية الخرطوم مع ثلاث شركات نظافة خاصة، بعقود معيبة، وتوقفت لاحقا لأنها طالبت بأرقام ربحية كبيرة، مع أنها لم تكن تغطي إلا أحياء وشوراع قليلة من العاصمة.

كانت شركات النظافة تلك تعمل دون اشتراطات مالية وقانونية وفنية واضحة تحقق المصلحة، وحصلت على ذلك بتوجيه من الولاة السابقين، وكذلك لم توقع عقودها على أساس واضحة العمل تحدد المطلوب بالضبط.

كان يمكن للمحطات الوسيطة أن تساهم في تجميع النقابات ومنها إلى المردم الرئيس، وتقلل بذلك من الكلفة المالية والزمن لصالح ضمان كفاءة الإدراة المتكاملة للنفايات، وهذه المجطات الوسيطة موجودة في (ود دفيعة، سوبا، أبو سعد، الأندلس، كرري)، لكنها لم تنشأ بالمواصفات المطلوبة للتخلص من النفايات، وصاحبتها عيوب في التصميم والتنفيذ، وشابتها عمليات فساد لصالح شركات تتبع لرموز النظام المباد، وفي الوقت الحاضر تكلف صيانة المحطة الواحدة 200 مليون جنيه.

الوضع الموروث هو أن المرادم (أبو وليدات- خطاب- طيبة) غير مسيطر عليها من قبل الحكومة، ونشأت خالية من الشروط والمواصفات الهندسية الخاصة بالمرادم، مع أنها تعمل في الوقت الحالي، ويسيطر الفساد على عمليات فرز النفايات والإبادات التي تم بطريقة غير علمية (حادثة أبو وليدات 2019)، وتتشط بالمرادم (مافيا) تعمل بقوة حتى لا تتواصل عمليات تقنين العمل وعلميته، وبالنتيجةـ تم إتلاف أكبر مصنع فرز نقابات في إفريقيا وإيقافه عن العمل (أبو وليدات)، وتمت سرقته بشكل ممنهج، وفي الوقت الحالي يحتاج المصنع إلى أكثر من مليون دولار لإعادة تشغيله.

يقول المستشار محمد بابكر إن حكومة الإنقاذ سمحت بتكوين شركات خاصة للاستفادة من مستخلصات النفايات وواردات الصادر من غير المرور بالدولة، وتنشط فيها شركات وجماعات منظمة تصدر النفايات إلى الصين ومصر وتركيا بواقع 15 ألف دولار للحاوية الواحدة، ما أدى إلى صعوبة العمل في الوقت الراهن، وطبقا لبابكر فإن هذه الجماعات ما ظلت تنشط وتهدد وتقود الاعتصامات مع العمال لإبقاء الوضع كما هو عليه.

يشير المستشار بابكر إلى أن المصانع في الخرطوم لا تلتزم بالاشتراطات البيئية في التخلص السليم من مخلفاتها الخطرة في بعض الصناعات، دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للبيئة، بوصفه الجهة المرجعية المختصة، وفي الوقت نفسه، لا توجد عقود حكومية ملزمة للمصانع، ما يؤدي إلى التخلص من نفاياتها بصورة سليمة، وفي غير الأماكن المخصصة لذلك، وساعد على تفاقم الوضع غياب متابعة سجل النفايات من قبل الجهات المختصة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *