صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

الجيش إلى الثكنات.. واحدا أم موحدا؟

حركية الثورة. الخرطوم
شارك هذه الصفحة

دائما ما يظلُّ شعار “الجيش للثكنات” بمدلولاته السياسية مطلبا تسعى إليه الجماهير في نضالها ضد الدكتاتورية، وفي الطريق لاستعادة الديمقراطية، باعتبار أولويته لتحقيق الحكم المدني، لكن هذا الشعار ليس دوما تطبقه الجيوش بصورة حِرفية، فهي تذهب لثكناتها بالباب وترجع من الشباك تحت ذرائع متعددة، وهي، في طريق ذهابها الشكلي، فإن امتيازات الماضي تشدها مرة أخرى للعودة بطرق مختلفة.

ورسميا، فقد عبرَّ الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عن الاستعداد لتلبية هذا المطلب، في ٤ يوليو الماضي، بتصريحات متواترة للقادة عن خروجهم من العملية السيَّاسيَّة، وترك الأمر للمدنيين، شريطة التوافق بين القوى السياسية. إلا أن وعودتهم تلك قوبلت بالتشكيك فيها، مرده لذاكرة تحفظ لقادة الجيش نكصهم عن الوعود في أكثر من مرة، آخرها انقلاب 25 أكتوبر نفسه.

إلا أنه وبدلا من أن يخرج الجيش ملتزما بما قطعه على نفسه، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها ذلك منذ انقلابه على الشراكة بينه وقوى الحرية والتغيير في ٢٥ أكتوبر، فقد حول الصراع المحتدم داخل قيادته العليا، وبينه ومليشيات شبه رسمية تابعة له، حوَّل الصراع إلى داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، فبدأت أطرافها منقسمة حيال هذه الوعود، بين التصديق والتكذيب، فكان كما بدأ طعما بلعته قوى الحرية والتغيير.

وكان التجلي الأبرز لذلك هو قبول قائد قوات الدعم السريع بمقترح الدستور الانتقالي المقترح من قبل اللجنة التسيرية لنقابة المحامين، وهو الذي سيقود إلى “تسوية سياسية” تحمل في طياتها الحفاظ الكامل على امتيازات الجيش والدعم السريع، وتجعل أمر الإصلاح بيدهم، ويطلب منهم الإنصياع للأوامر المدنية، وهو ما لم تأسس عليه العقيدة العسكرية للجيش السوداني.

ويمضي المقترح للإعلان الدستوري حول وضعية القوات المسلحة إلى عملية دمج وإصلاحات ينفذها قادة الجيش نفسهم، دون أن تتم له هيكلة تامة، وحدوث ذلك دون الهيكلة سيشكل خطرا على تماسك الجيش ويؤطر لمستقبله حاملا ملامح ماضيه وحاضره، كأداة قمع بذات مفاهيم الدولة البرجوازية الحديثة.

وبهذا سيفقد شعار خروج الجيش للثكنات مدلوله، الآن وفي مستقبل العملية السياسية، وذلك لأن القوى السياسية التي تتصارع الآن داخل الميدان السياسي للتسوية، هي قوى جميعها- بإستثناء المجلس المركزي- ستذهب إلى هذه العملية مفاوضة أو حاكمة من منطلق أنها قوى لها جيوش ومليشيات، وبعضها يرفع عصا التهديد بقواته إن لم يشمله الوضع الجديد، وهو ميزان قوى ليس راجحا في مصلحة قوى الحرية والتغيير، وستكون أول المتضررين من ذلك.

ومع مضي الترتيبات الأمنية ستجد جلَّ هذه القوى نفسها ولديها ظهير تستند عليه، داخل القوات المسلحة، بعد عملية التسريح وإعادة الدمج، وسينتقل الصراع إلى داخل الجيش الذي ظل وسيظل كبار الضباط فيه متحفظين على الحكم المدني، لأن هذه الوضعية ستشرعن للصِراع السياسي إلى داخل الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.

في مقابل ذلك فإن الشعار المرفوع بهيكلة القوات المسلحة، وحل المليشيات، يعدُ هو الأنجع لجعل الجيش قوميا وواحدا، وليس موحدا بطريقة الدمج، وبعيدا عن الصراع السياسي، وهو ما تطالب به قوى سياسية متعددة (جذرية وفاعلة) باعتباره هو المدخل الصحيح لأن أي عملية لاستيعاب قوات وفق اتفاقية سياسية، ودون مراعاة للقواعد العسكرية، ستحدث شرخا في جسم الجيش، وهو ما عانى منه الجيش السوداني عقب دمج قوات من حركة إنانيا في ١٩٧٢.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *