على نحو مفاجئ خرج القيادي بالحرية والتغيير ياسر عرمان بتصريح إلى الرأي العام قال فيه إن حديث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في (قاعدة المعاقيل العسكرية) بشندي، الأربعاء الماضي، أعاد الأوضاع في البلاد إلى ماقبل الاتفاق السياسي الإطاري، وشكل تراجعا عن مضمون العملية السياسية.
وكان البرهان قال أمام جنود من القوات المسلحة إن ما تم مع المدنيين في (5 ديسمبر) ليس تسوية سياسية، وأشار إلى عدم موافقة الجيش على أي بنود تنال من ثوابت البلاد.
وفي 5 ديسمبر الجاري وقعت قوى الحرية والتغيير مع قادة الانقلاب اتفاقا إطاريا لبدء مرحلة انتقالية تستمر لعامين. وتحت ضغط دولي هائل، أحرزت المحادثات بعض التقدم، لكن هذا التقدم قد ينهار في أي لحظة وفقا لرافضي الاتفاق، لأن التعهدات فيه تفتقر الى التفاصيل، كما تتعارض مع أهداف ثورة ديسمبر وتطلعات القوى الثورية المناهضة للاتفاق.
فهل كان عرمان محقا بأن الأوضاع عادت إلى ما قبل الاتفاق الإطاري؟
نعم ولا. بالنسبة للقيادي بقوى الحرية والتغيير، الصديق الصادق المهدي، فإن حديث قائد الجيش حول عدم وجود تسوية بين طرفين، كان صحيحا، لأن ما حدث هو اتفاق يصب في مصلحة كل السودانيين، ويتوقع منه أن يحقق تحولا سياسيا شاملا. وأضاف: “هناك تأويل لحديث البرهان، بأن كل ما تم التوقيع عليه يعتبر ملزما ولا مفر منه”، وهذا غير صيحح. ونوه إلى أن الأطراف كانت قد اتفقت، على سبيل المثال، على تشكيل الحكومة الجديدة قبل نهاية هذا العام، لأن المجتمع الدولي رهن إعفاء الديون ودعم السودان بتشكيل حكومته المدنية قبل نهاية العام الجاري، لكن تشكيل الحكومة في هذا التوقيت غير ممكن بسبب قصر الفترة التي حدث فيها الاتفاق الإطاري.
الأمر مربك للقيادي في الحزب الناصري، منذر أبو المعالي، إذ قال إن قائد الانقلاب ظل يعطي المتهافتين على السلطة أملا ويسحبه، لذا اصبح المشهد بالنسبة إليهم مرتبكا. ويقول أبو المعالي إن حديث عرمان مؤشر على مخاوف من عدم الحصول على السلطة، وفي نفس الوقت فإن حديث البرهان وتعهداته لا يمكن أخذها على محمل الجد واليقين، لكن عند القوى الثورية واليسار السوداني ولجان المقاومة فكل شيء ناصع وواضح؛ لأنها حددت خياراتها بإسقاط الانقلاب.
ويعتقد أبو المعالي أن أي تكهنات حول تسليم السلطة للمدنيين لا يعول عليه، مشيرا إلى أن هناك قوى سياسية، وقبل سقوط النظام المباد، كان خيارها الأوفق هو الدخول في تسوية مع نظام الإنقاذ، ويرى أن نفس هذه القوى السياسية لم تع الدرس. ولفت أبو المعالي إلى أن ثورة ديسمبر قطعت الطريق أمام هذه التوقعات، وفوجئت تلك القوى، التي كانت تسعى إلى حوار عمر البشير وتتجه نحو انتخابات 2020، بالثورة، فانحنت للعاصفة.
عرمان واقعي بالنسبة للقيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي صديق تاور؛ إذ يرى أن حديث عرمان كان أقرب إلى الواقع؛ لأن الأقوال والأفعال كلها تدل على عدم رغبة البرهان فى مغادرة المشهد السياسى، وقد حقق له التوقيع على الاتفاق الإطارى ما يريد، لذلك لن يكون حريصا على الوفاء بأى التزام. وأضاف تاور: “ما قاله البرهان سابقا وفي مواقع مختلفة لا يجعله أهلا للثقة، فقد ظل يناور ويبتكر الأساليب لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة، وهو ليس أهلا لأي ثقة من واقع إجهاضه للحكومة الانتقالية بالانقلاب عليها في 25 أكتوبر.
ليس بمحمل الجد.. لأن الأمر تخالطه الشكوك بالنسبة لرئيسة الحزب الجمهوري، أسماء محمود، وقالت: “التجارب السابقة مع البرهان تضع كل تعهداته محل شك”، لكنها عادت وقالت إن الخطاب أمام جنوده عسكريين لايعول عليه، وتمسكت محمود بالتعهدات التي أطلقها البرهان أمام المجتمع الدولي، وترى أن خياراته الآن محدودة، وهي تسليم السلطة للمدنين بعد فشل انقلابه. ومع كذلك فإن حديث عرمان، بالنسبة لها، يجب ألا يؤخذ على محمل الجد.