على مفترق طرق تقف البلاد بسبب تداعيات انقلاب 25 أكتوبر والبيئة السياسية والأمنية التي نجمت عن الخلافات المستمرة بين أطراف متعددة حول الاتفاق السياسي، ما يشير إلى أنها ستظل كذلك حتى بعد التوقيع النهائي، بسبب التجاذبات التي يتوقع أن تكتنف عملية إنزال بنوده أرض الواقع.
التطور الجديد هو تصريحات لقائد انقلاب 25 أكتوبر في السودان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تمدد الشكوك والمخاوف على مستقبل (العملية السياسية) القائمة على الاتفاق السياسي الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي، بين قادة الانقلاب ومجموعة من القوى السياسية يقودها (تحالف الحرية والتغيير)، بينما تعذر التوقيع النهائي في موعدين معلنين بسبب خلافات الجانب العسكري حول جوانب من ملف الإصلاح الأمني والعسكري.
البرهان أكد في تصريحات أمس الجمعة، على هامش إفطار رمضاني، اقتراب الانتهاء من الاتفاق السياسي النهائي، عازيا التأخير في التوقيع لخلافات بشأن بند “الإصلاح الأمني والعسكري”، لكنه أضاف: “نقترب من الوصول إلى اتفاق نهائي، ونريد أن نمضي في الاتفاق إلى نهايته بأكبر كتلة انتقالية دون شروخ أو اعوجاج”. وهي على ما بدا إشارة لوجود عقبة أخرى ينتظر التعامل معها، بما يتجاوز ملف الإصلاح الأمني والعسكري.
كان تحالف الحرية والتغيير أعلن أمس الأول عن إرجاء ثان لموعد توقيع الاتفاق ولأجل غير مسمى، بسبب عدم حسم خلافات الأطراف العسكرية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري فيما يتصل بالجوانب الفنية الخاصة بإجراءات الإصلاح الأمني والعسكري.
ومع أن التحالف أكد أن مسار المفاوضات بين العسكريين شهد تقدما في عدة ملفات، وأن الطريق سيكون سالكا لتوقيع الاتفاق النهائي بمجرد الوصول لاتفاق بشأن قضايا الإصلاح العسكري، فإن تصريحات البرهان حملت إشارات واضحة بأن على هذا التحالف، أيضا، تقديم المزيد من التنازلات في سبيل ضم القوى غير الموقعةعلى الاتفاق.
في تصريحاته أمس، خرج البرهان من متن النصوص التي تم الاتفاق والتوقيع عليها، بشأن الأطراف المشاركة في العملية، ودعا كل القوى السياسية إلى الجلوس والتفكير في الوطن وعدم التمترس في المواقف والجري وراء المحاصصات الحزبية.
وأضاف: “صراعنا مع بعض مصطنع، ونريد أن نقوم بانتقال حقيقي، وأن يختار السودانيون الشخص الذي يحكمهم، وإذا فشلنا في التوافق على إقامة أكبر كتلة؛ فعلينا أن نفسح المجال لغيرنا”.
تأتي التصريحات في ظل تعثر يلازم مسار العملية السياسية، وفشل في مصفوفة التنفيذ التي تم الاتفاق عليها، في وقت سابق، وحددت مواقيت حتى لإعلان الحكومة الجديدة.
كما تواكب المواقف المعلنة من البرهان، زيادة في حدة الخلاف الآخر المستمر حتى اللحظة بين القوى الموقعة والأخرى غير الموقعة على الاتفاق.
وبينما ترفض الاتفاق مبدئيا أحزاب سياسية ولجان مقاومة وقوى مهنية وتنطيمات مطلبية وقوى ثورية أخرى، تجاهد (الكتلة الديمقراطية) التي توسع من عضويتها من أجل الانضمام إلى العملية السياسية بشروطها الخاصة، وتهدد بإسقاط العملية.
الكتلة الديمقراطية التي ترفض التوقيع على المسودة المتفق عليها، وتشترط انصمام كل مكوناتها من غير أطراف الاتفاق المحددة مسبقا، انخرطت خلال الساعات الماضية في تراشقات مع قيادات في الحرية والتغيير، على خلفية مقترحات لطي الخلاف قدمتها الآلية الثلاثية، التي تيسر الحوار بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية.
كانت الكتلة الديمقراطية أعلنت، الأربعاء الماضي، عن موافقتها المبدئية على مقترح من الآلية الثلاثية بتمثيل الكتلة في آلية اتخاذ القرار الحكومي بنسبة 47% مقابل تمثيل الحرية والتغيير بنسبة 53%، وقالت إنها طالبت بتعديل النسبة لتكون 50% لكل طرف.
ومضت ساعات دون نفي هذا الإعلان أو تأكيده من الآلية الثلاثية أو الأطراف الموقعة، ما اعتبر من مراقبين أول اختراق في جدار من الخلافات المستمرة حول من يحق له التوقيع.
لكن تحالف الحرية والتغيير قال، الخميس، إنه لم يتسلم مقترحا من الآلية الثلاثية، بشأن تمثيل الكتلة الديمقراطية في آلية اتخاذ القرار الحكومي. وأكد التحالف على موقفه الثابت من عدم قبول أي تعديل في الأطراف المتفق عليها، وهو ما جرى إبلاغه للآلية بصورة واضحة.
ولا تتوفر حتى الآن مؤشرات على إمكانية تجاوز الخلاف بين الأطراف الموقعة وبين الكتلة الديمقراطية، فيما يحبس الشارع أنفاسه على وقع بطء يلازم الاتفاق بين الأطراف العسكرية حول ما تبقى من خلافات في ملف الإصلاح الأمني والعسكري.