شكلت “لقاءات أصحاب المصلحة في التعليم”، التي ابتدرها وزير التربية السابق البروفيسور محمد الأمين التوم، ومدير المناهج والبحث التربوي عمر القراي، مدخلًا جديدًا لإصلاح التعليم في السودان وإقالة عثراته، لكن المبادرة وئدت في مهدها بفعل حملات تحريض ووعيد، قادها فلول النظام المباد بلغت حد تهديد مدير المناهج بالقتل، وهو ما اعتبره القراي في هذه المقابلة مع “الحداثة”، مؤامرة حيكت ضد الثورة السودانية من نافذة التعليم.
أوضح القراي أن فلسفته من إشراك الشعب في وضع مناهج التعليم جاءت بهدف أن يعكس المنهج ثقافات المجتمع ويحتوي على قيمه، و”لا بد من أن يرى كل فرد أو جماعة أن المنهج يحقق آماله وتطلعاته في المعرفة بمختلف ضروبها”.
ورهن مدير المناهج السابق، التغيير وإصلاح التعليم في السودان، بالحاجة إلى مزيد من الوقت، وإلى رفع حصة قطاع التعليم في الموازنة العامة وتغيير قوانين التعليم.. تاليًا فحوى الملقابلة:
– إلى حد بعيد، كنا قد شرعنا بالفعل في ترسيخ مفهوم ديمقراطية التعليم، وزرت مع البروفيسور محمد الأمين التوم جميع ولايات السودان، ما عدا ولايتي النيل الأزرق والشمالية، والتي منعنا عنها داء الكورونا، وعقدنا اجتماعات مباشرة مع الشعب، أسميناها “لقاءات أصحاب المصلحة في التعليم” وهم المعلمون، وأولياء الأمور، والتلاميذ، وإدارات التعليم المختلفة. كان الوزير يطرح رؤيته العامة لواقع التعليم، وكيفية إصلاحه حسب تصوره، وكنت اطرح واقع المناهج، وكيفية إصلاحها حسب تصوري، ثم نستمع للجمهور، وفي النهاية كونت لجان جمعت كل الآراء والمقترحات، وأرسلت مكتوبة إلى الوزارة، وبعد استلامها عقدنا مؤتمرًا في الخرطوم تحت عنوان “مؤتمر ثورة ديسمبر لاصلاح التعليم”، شاركت فيه كل الولايات عن طريق خدمة “الزووم” الإلكترونية، فكان أول مؤتمر في تاريخ السودان يعقد في الخرطوم ويشارك فيه كل أهل السودان.
– كونت توصيات المؤتمر وثيقة التعليم الجديدة التي كان من المقرر لها أن تغير التعليم وفق ما يريده أهل السودان، وهذا ما أزعج فلول النظام البائد، وأعداء الثورة، فبدأوا أول مؤامراتهم على الثورة من نافذة التعليم.
-الفلسفة أن ليس هناك شخصًا وأحدًا يكون هو صاحب الحق ولوحده في المنهج، حتى يقوم بوضعه حسب رأيه، لأنه يجب أن يعكس المنهج ثقافات المجتمع ويحتوي على قيمه، ولا بد من أن يرى كل فرد أو جماعة أن المنهج يحقق آماله وتطلعاته في المعرفة بمختلف ضروبها. لذلك كان لا بد من إشراك كل الناس ليطرحوا تصوراتهم ومن ثم تجمع وتعطى للجنة الفنية واسعة لمناقشتها وترتيبها.
– المقررات لم تكن ذات طابع سياسي، بمعنى أنها لم تطرح رأي حزب سياسي بعينه، ولكننا أدخلنا مفاهيم الثورة في الحرية والسلام والعدالة والمساواة، ولأن المقررات التي تمت هي من مرحلة الروضة وحتى الفصل السادس.
– هذه المفاهيم لم ترد بصورة مباشرة، بمعنى إننا لم نتحدث مثلا عن مفهوم الديمقراطية، ولكننا ركزنا على النشاط التعاوني حتى في المناقشات وتداول الفرص، لكي ينشأ الطفل على عدم الأنانية، ما يجعله في المستقبل مهيأ للديمقراطية، وجاءت هذه المفاهيم في صور قصص في المطالعة والأناشيد وغيرها، وإذا كانت توعية التلاميذ بمفاهيم الثورة فنحن مع هذه السياسة.
– نعم، هناك معلمون شرفاء دافعوا عن المنهج الجديد، ولكن صوت الإرهاب والتخويف كان أعلى فسكت كثيرون.
– يحتاج التغيير إلى مزيد من الوقت، وإلى رفع حصة قطاع التعليم في الموازنة العامة وتغيير قوانين التعليم.
– نعم، قدم تنازلات، إلى الحد الذي أدى إلى تقويض الحكومة، واستجابة د. حمدوك للجماعات الإسلامية والفلول وايقافه للمنهج دون أن يجتمع بي، وعدم تدخل اعلام الحكومة وكذلك قوى الحرية والتغيير، كل ذلك أدى للاستقالة لأن العمل أصبح بلا فائدة .
– ليس صحيحًا، لأنني لو لم أقدم الاستقالة لمارس أعداء الثورة ضغطًا على رئيس الوزراء حتى تتم اقالتي، وحمدوك خضع لأعداء الثورة في قضايا أخرى، وها هم أعداء الثورة نفذوا الانقلاب، لايقاف تقدم الثورة ولإعادة فلول النظام المباد لمؤسسات الدولة.
– الدولة السودانية لم تتعامل مع التعليم ضمن أولوياتها، بدليل الإنفاق الشحيح، ومعدل الإنفاق على التعليم عالميا يتجاوز الـ20%، أما في السودان فلا يتعدى نسبة 9%، وهناك قضايا أخرى أحدثت تأثيرًا في التعليم في السودان مثل الظرف الاقتصادي والحروب الأهلية، هذا إلى جانب تدريب المعلمين وتغيير المنهج، الذي يجب أن يكون مواكبا لمستوى الحداثة والتطور.
– الجوع هو أحد أهم الأسباب، وحاجة الأسر لعمل التلميذ أو التلميذة، ثم الحروب والنزوح واللجوء، هذا إلى جانب المفاهيم والعادات الخاطئة التي أثرت بصورة خاصة على تعليم البنات.
-عدم وجود مكان في المدرسة لطفل في سن التعليم يعد جريمة لأنه انتهاك لأحد حقوق الإنسان وهو الحق في التعلم والمعرفة. خروج أعداد كبيرة عن دائرة التعليم يعني التجهيل المتعمد لجيل كامل مما يؤثر سلبًا على مختلف وجوه التنمية والتقدم. أقول هذا مع تحفظي على إحصائية اليونسيف إذا أن العدد حوالي 3 ملايين طفل.
-هذا أمر سابق لأوانه، فهل الحكومة الجديدة في مستوى مطالب الثوار؟ وهل رئيس الوزراء صاحب كفاءة ثورية وكفاءة مهنية؟ وهل وزير التربية بالاضافة للكفاءة الثورية والمهنية لديه رؤية لإصلاح التعليم؟
فإذا استقامت هذه الأمور يمكن لأي شخص كفؤ أن ينهض بمسؤولية إصلاح المناهج.
-المطلوب من المعلمين وأولياء الأمور والطلاب وكافة المواطنين مقاومة تخريب الوطن بالوقوف بصلابة ضد عودة الإخوان المسلمين لأنهم دمار وخراب لكل أوجه الحياة وليس التعليم فقط.