صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

نحن أيضا نمتلك “هاري ماغواير”

الخرطوم

شارك هذه الصفحة

في لقطة طريفة تداولتها وسائط التواصل الاجتماعية، والعديد من المنصات الإخبارية الأجنبية؛ فيديو مسجل للعضو البرلماني إسحاق أودونوغو، عضو البرلمان الغاني، يصف فيها نائب رئيس البلاد بهاري ماغواير، لاعب المنتخب الإنجليزي وقلب دفاع مانشستر يونايتد. ووصف إسحاق البرلماني نائب رئيس البلاد باللاعب، نتيجة لاشتهار هاري بالأخطاء القاتلة التي تجعل من مهاجمي الفرق الأخرى تسجل أهدافا؛ فقد قال في الجلسة التي أصبحت حديث مواقع التواصل الاجتماعي: “إذا كنت من محبي كرة القدم، وكان هناك لاعب في إنجلترا يُدعى هاري ماغواير يلعب لمانشستر يونايتد وهو مدافع، وكان قبلها في ليستر، حيث يندفع ويركل الجميع ويلقي بجسده في كل مكان، وكان يُنظر إليه على أنه أفضل مدافع في العالم”.

وأضاف “اشتراه مانشستر يونايتد، وأصبح التهديد الأكبر لهم في الدفاع، إذ يركل زملاءه، ويقدم تمريرات حاسمة للخصوم”، وتابع: “وحتى عندما يفشل الخصوم في التسجيل فإن ماغواير سيسجل لهم، وفي بلدنا لدينا أيضا ماغواير الاقتصاد، وهو نائب الرئيس الدكتور مامادو باوميا الذي يسجل أهدافا في شباكنا”.

بغض النظر عن السياق الذي ذكره إسحاق في تشبيهه، فقد يكون لاحظ البعض في مباراة المنتخب الإنجليزي مع نظيره الويلزي في ختام دوري المجموعات بكأس العالم (فيفا قطر 2022م) تعبيرات المعلق حفيظ دراجي، معلق قناة beIN SPORTS على المدافع عند لمسه للكرة، بالإضافة إلى لقطة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السيد (Gianni Infantino)ى وهو يضحك عندما أخرج هاري الكرة بصورة عشوائية، مما يجعل من هاري النجم الكوميدي في عالم المستديرة . 

الناظر إلى الساحة السياسية في السودان يرى أن حالة الحرية والتغيير أقرب إلى حالة اللاعب هاري ماغواير منذ فجر أبريل 2019م. الكتلة السياسية التي تقودها مجموعة من الأحزاب ينظر إلى خياراتها كما خيارات هاري أمام خصوم مانشستر، فلقد سنحت لهذه الكتلة السياسية مجموعة من الفرص التي كان يمكن أن تمنع الأهداف من الدخول في مرمى الانتقال، إلا أنها شاءت أن تمرر الكرة في مرمها ومرمى الانتقال الديمقراطي المدني كما تدعي.

مبادرة حمدوك (الطريق إلى الأمام) التي طرحها قبيل 25 أكتوبر 2021م، كانت تحتوي على ذات البنود التي تريد توقيعها اليوم (5 ديسمبر 2022م)، وإن كانت تختلف بشكل في التعاريف فإن ذات المضمون موجود، وكان يمكن أن تحسن شروط هذه المبادرة لتقودها إلى عملية سياسية مكتملة الأركان، وليست كالتي تدور حاليا من غياب الشفافية ورفع شعار الثورة على رماح التسوية الهزيلة وركام الخيارات السياسية البالية.

كان يمكن للحرية والتغيير أن تعمل على ممارسة عمل سياسي طوال عام كامل منذ 25 أكتوبر عبر الأدوات السياسية والخطوط الواضحة والرزينة التي كانت يمكن أن تفتح حوارا سياسيا مع مجموعات لجان المقاومة والمنظومات السياسية الرافضة لأي حوار مع العسكريين. كان يمكن أن تستق الحرية والتغيير مع خطاباتها، حيث تريد تكوين جبهة عريضة لمواجهة الانقلاب، الذي تعززه الآن بهذه الخيارات السالبة، والتي تشبه أهداف هاري التي وصفها إسحاق.

لا أحد يعارض العملية السياسية أو الفعل السياسي، فكما تعودنا في حقل السياسية منذ أن كنا كوادر طلابية في الجامعات السودانية وساحتها أن العمل السياسي والخطوط السياسية تبنى من استراتيجي، يمكن أن تقدم في اللحظة الراهنة بعض التنازلات من أجل مكاسب تخدمه في المستقبل، ولكن الحرية والتغيير، بالاتفاق السياسي في العام 2019م، مهدت لأن تسجل الأهداف تواليا، ليأتي اتفاق السلام (2020) الذي كان فرصة من أجل ربط مصالح الانتقال مع مصلحة المجتمعات، وقطع الطريق عبر الدفع بالكتلة المستفيدة من السلام في العملية التفاوضية وتنفيذ الاتفاق، ولكنها حجرت ذلك كله واهتمت بالسلطة في هدف أقرب إلى هدف كوريا الجنوبية أمام البرتغال في ختام المجموعات بكأس العالم الحالي، والذي أقصت به منتخب الأورغواي.

تعسفت الحرية والتغيير في أي محاولة لأن تجمع مواثيق لجان المقاومة وتناقشها بصورة منضبطة، بل وتقيم تجربتها بمنظور هؤلاء الشباب، من أجل استعادة العملية السياسية والاستفادة من الفرص المهدرة، وترميم الثقة بين الفاعلين الشباب والقوى السياسية، ولكنها ضربت بكل ذلك عرض الحائط، وذهبت إلى خيارات الأهداف المجانية.

عادت الحرية والتغيير لتعيد سيناريوهات الأهداف مرة أخرى بطريقة أشبه ما يكون إلى التخريب الكامل لمستقبل العمل السياسي في السودان، بالطريقة التي تقوم بها في إبرام اتفاقياتها، مما يضعنا أمام تحد، ليس في شكل الانتقال الذي سنواجهه، وإنما في مستقبل بناء المنظومات السياسية وكيفية استعادة الثقة في العمل السياسي، وفق تعريف السياسة كعلم بناء المجتمعات والدول. وما لنا إلا أن نقول: نحن أيضا نمتلك هاري ماغواير.


شارك هذه الصفحة

1 thought on “نحن أيضا نمتلك “هاري ماغواير”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *