صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

“قوى انتقال”.. من رأسنا أم كراس الغير؟

إرشيفية. تصوير خالد بحر
شارك هذه الصفحة

مع كثرة قضايا هذه التسوية السياسية وتشعبها، إلَّا أنَّ قضية أثارت الضجة والنقاش، بدأت بمصطلح مُبهم ورد في هذا الإطار، وهو (قوى الانتقال)، وبحسَّب قادة التحالف، فإنه يشير إلى أحزاب (الاتحادي الديمقراطي الأصل، المؤتمر الشعبي وجماعة أنصار السُّنة).

مبعث الحِيرة والقلق عند كثيرين هو أن هذه القوى انضمت إلى نظام الإنقاذ، إمَّا قبل أو بعد هبة سبتمبر ٢٠١٣، التي جعلت المجتمع الدولي يرى في الإنقاذ حليفا جيدا، لكنه يحتاج إلى أن توسع له القاعدة السِّياسِّية الاجتماعية، بضم قوى من حركة المعارضة، واكتمل ذلك بما سمِّي بـ (حوار الوثبة ٢٠١٤م)، وما تبعه من ضغط ونقاشات وحوارات كادت أن تُفْضِي بجزء واسع من حركة المعارضة (نِداء السُّودان) إلى المشاركة في الحكم، عبر انتخابات ٢٠٢٠، لولا أن قطعت انتفاضة ديسمبر ٢٠١٨ الطريق عليها، وهزَّت قناعات، ولخبطت كيمان المجتمع الدولي، قبل أن تفعل ذلك بقوى (نداء السودان).

ولكن هذا المصطلح، وبما عليه الآن، لا يعدو أن يكن سوى توسيع للقاعدة السياسية والاجتماعية للانقلاب الحالي، وتكريس الوضع القديم نفسه، بل أكثر من ذلك، هو تنفيذ لأهداف الانقلاب لتوسيع القاعدة، تحقيقيا للاستقرار السياسي، وهي خطة منشأها القوى الدولية.

-قوى الحرية والتغيير، إذاً، تنفذ ما عجز الانقلاب، على مدى عام وأكثر، عن تنفيذه، لقوة وصدامية الحركة الجماهيرية واستمرار عنفوانها، والآن قدَّمت قوى التسوية، طوق نجاة للانقلاب حين ظنت أنها بذلك تُنهِيه، فهي قد نفذت أول الأسس التي قام من أجلها الانقلاب، وهي توسيع القاعدة السياسية والاجتماعية لمشروع الانقلاب، والذي هو المشروع الأساسي للحركة الإسلامية التي قال قادتها، في أكثر من مرة، إنهم انحنوا لعاصفة ديسمبر حتى تمر. وهذه هي الفلسفة الأساسية التي قام عليها مصطلح (قوى الانتقال) الذي سيتحول في مقبل الأيام، بطبيعته البنيوية، إلى مصطلح (مطاطي) يقود إلى المشاركة الكاملة لنظام الجبهة القومية الإسلامية، ولو بواجهات جديدة، وهو ما يريده المجتمع الدولي. 

طبيعة المصطلح الطبقية، كامنة في أن كل المشاريع والبرامج المطروحة الآن، تتفادى الحديث عن قضايا الشعب، وطريق التطور في الفترة المقبلة، بل وتتجاوز عن عمد طرح القضية الأساسية (كيف يحكم السودان)، وبالتخصيص منها قضايا التطور الاجتماعي والمطالب الأساسية العاجلة التي تخوض بها الجماهير نضالها اليومي، ولكن هذه القوى بحكم طبيعتها الطبقية، هي لا تنسى هذه القضايا وحسب، لكنها تتحاشاها.

وبالضرورة فإن مجرد قبول قوى سياسية، كانت جزء من نظام مُباد، يدخلك هذا في تناقض أساسي، وأنت الذي يفترض أنك أتيت للسلطة عبر ثورة- تريد أن تبني على نقيض القديم المُباد- هذا التناقض يضعك مباشرة في خانة الضد للثورة، إذ أن من أبجديات الثورة هي القطع مع القديم نهائيا.

ولعلَّ عدم ثورية هذه القوى، علاوة على كل هذا، يأتي دوما مرتبطا بتبني موقف المجتمع الدولي الذي ينظر إلى الثورات، وهدفه هو اختزالها، في تغيِّير محدود في أعلى السلطة، وتصعيد فئات اجتماعية بديلا عنها، مع المحافظة على الأركان الأساسية للنظام، وفي الحقيقة فإن ذلك يظهر تماما في الموقف من المحاولة الوحيدة الناجحة لتفكيك أركان النظام المُباد، وهي (لجنة تفكيك نظام ٣٠ يونيو)، وقد رأينا كيف أنها كانت مركز حقد المجتمع الدولي واللجنة الأمنية لنظام البشير وقوى سياسية من داخل قوى التغيير (الجبهة الثورية، حزب الأمة القومي) ولعلَّ الجميع تابع كيف أن سفراء دول أجنبية تجاوزوا الأعراف الدبلوماسية، وانتقدوا منهج عمل اللجنة، لأنها تهزم مخططاتهم ومشاريعهم في توسيع القاعدة السياسية الاجتماعية للسلطة، ولأنها بدفع حركة الجماهير- لا بإرادة الحاضنة السياسية- وضعت يدها على مفاصل التمكيِّن.

مصطلح قوى الانتقال يؤشر مباشرة إلى أنَّ التسّوية الجارية الآن أعدت تحت ميزان قوى جديد، وهو بأي حال ليس ذلك التوازن الذي فرضه النجاح الجزئي في ١١ أبريل، ولأن الحالة الثورية التي كانت في وقبل ذلك التاريخ، ما كان يمكن للمجتمع الدولي ولا اللجنة الأمنية لنظام البشير أن يدعوها تمضي نحو خواتيمها، هذا واضح، ولكن وضح بعد ذلك أمر في غاية الخطورة، وهو أن قوى من داخل قوى الحرية والتغيير، تشارك هاتين القوَّتيّن، التوجه والأهداف، وأصبح التناقض الأساسي لدى قوى الحرية والتغيير، ليس هو التناقض بين الدكتاتورية وأفق التحول الديمقراطي، بل هو من الأحق بمركز الوكالة لتنفيذ مشاريع وخطط القوى الدولية؟

أنَّ قضية شكل الانتقال تبين بجلاء حقيقة أنَّ الصراع حول السُّلطة وقيادة مركز الوكالة للمجتمع الدولي، وليس حول قضايا الشعب الأساسية، وأنَّه لا تناقض أساسي بين الانقلابيِّين وقوى الحرية والتغيِّير بطرفيها، وقوى النظام القديم، وهي جميعها تتفق على تقديم كل ما يؤكد أنها تنفذ شروط التنمية الرأسمالية، لرأس المال المحلي والأجنبي، ولا غرو في ذلك، فالعملية السياسية الحالية هي برعاية رجال المال والأعمال، والسفراء الأجانب، وبالنظر للمشاريع والبرامج تلمس مباشرة أن الصراع مرتبط بمن الذي أحق بقيادة السودان للسير في طريق التنمية الرأسمالية، ومن هو صاحب الحق الحصري، في الإشراف على تنفيذ المخططات والمشاريع الأجنبية؟ وكل الأطراف تستقوى بطرف خارجي داعم في صراع هجين، بين الدولي والقومي.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *