صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

التغير المناخي بالسودان.. ما نحن عليه وما سيكون

صورة لفيضان النيل بالخرطوم
شارك هذه الصفحة

التغير المناخي، أو الاحتباس الحراري، أو ظاهرة البيوت الزجاجية الدفيئة، هو ارتفاع النسب الحرارية في الكرة الأرضية عن معدلها الطبيعي. كما يُعرَّف الاحترار العالمي بأنه زيادة في درجات حرارة سطح البحر ودرجات حرارة سطح البحر مجتمعة على مدى 30 عاما.

ولفهم الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى هذا الارتفاع الحراري يجب أن نعرف أكثر العالم الذي نعيش فيه وما يميز الكرة الأرضية عن الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية هو الغلاف الجوي الذي يحيط بها، ووجود الغلاف الجوي وثبات مكوناته تتوقف عليها استمرار الحياة بالشكل المتعارف عليه.

علميا، يقصد بالغلاف الجوي، الهواء المحيط بالكرة الأرضية، وهو خليط من عدة غازات مختلفة وبخار الماء وذرات المواد الصلبة المتطايرة الدقيقة جدا وبنسب متفاوتة. وأهم مكونات الغلاف الجوي هي النيتروجين (N2) ونسبته تقريبا 78%، والأكسجسن (O2) ونسبته تقريبا 21%، والغازات الخاملة كالأرغون، ونيون، وهيليوم ونسبتها 0.9%، بالإضافة الى عدد كبير من الغازات كثاني أكسيد الكربون(CO2)، ونسبته 0.03%، الأوزون، والميثان، وأكاسيد الكبريت، والهيدروجين، وأكاسيد النيتروجين، وبخار الماء. وتقوم بعض تلك الغازات بامتصاص الحرارة مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2)، وتسمى غازات الندرة وتعتبر شوائب تسبب التلوث الجوي عندما يزيد تركيزها في الجو وتؤدي إلى حدوث اختلال في مكونات الغلاف الجوي والاتزان الحراري. وينتج عن هذا تغيرات في المناخ والجو، تقلبات في كمية وتوقيت هطول الأمطار، وآثار سيئة على صحة وحياة الانسان والأحياء.

أما سبب ظاهرة ارتفاع حرارة كوكب الأرض فينقسم العلماء، يري بعضهم أنها ظاهرة طبيعية، لأن مناخ الأرض يشهد طبيعيا فترات ساخنة وفترت باردة مستشهدين بذلك بالفترة الجليدية أو الباردة ما بين القرن 17 و18 في أوروبا. يرجع بعض العلماء ظاهرة الانحباس الحراري إلى التلوث وحده، حيث يقولون بأن هذه الظاهرة شبيهة، إلى حد بعيد، بالدفيئات الزجاجية، وأن هذه الغازات والتلوث يمنعان أو يقويان مفعول التدفئة لأشعة الشمس.

منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، وقد ازدادت هذه المعدلات الحرارية بصورة سريعة، وبدأت في الارتفاع منذ بداية حقبة الثورة الصناعية، والتي بدورها عملت على زيادة التقلبات المناخية والبيئية إلى يومنا هذا. وقد ازداد المعدل العالمي لدرجة حرارة الهواء عند سطح الأرض بـ 0.74 ± 0.18 °C خلال المائة عام المنتهية لسنة 2005. بينما بلغ الاحترار الناجم عن النشاط البشري 1 درجة مئوية تقريبا فوق مستويات ما قبل الصناعة في عام 2017، وزاد عند 0.2 درجة مئوية (من المحتمل أن يكون بين 0.1 درجة مئوية و0.3 درجة مئوية) لكل عقد.

وفقا للأمم المتحدة، فإن الكرة الأرضية أصبحت الآن أكثر دفئا  بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت السنوات (2011 – 2020) هي الأكثر دفئا  على الإطلاق.

حسب اللجنة الدولية لتغير المناخ، فان أغلب الزيادة في معدل درجة الحرارة العالمية منذ منتصف القرن العشرين تبدو بشكل كبير نتيجة لزيادة غازات الاحتباس الحراري (غازات البيت الزجاجي) التي تبعثها النشاطات التي يقوم بها البشر.

وقد أكد كثير من العلماء عالميا أن ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الناتجة عن ارتفاع كبير جدا في معدلات الاحتباس الحراري. في عام 2002 كان المعدل الحراري العالمي ثاني أعلى معدل بعد عام 1998، حيث سجل معدل الاحترار العالمي ارتفاعا في يعادل نصف درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الماضية. وأظهرت الاأبحاث والتفسيرات العلمية للتغيرات المناخية في السنين الماضية بأن مثل هذا التزايد السريع جدا في معدلات الحرارة العالمية غير طبيعي على الإطلاق. ويتوقع العلماء أن المعدلات الحرارية للكرة الأرضية سوف ترتفع خلال هذا القرن بشكل لم يسبق حدوثه خلال العشرة آلاف سنة الماضية. كما تؤدي ظاهرة الاحتباس الحراري  إلى ذوبان الثلوج في منطقة الأقطاب والمدن الساحلية، مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه وغمر المدن الساحلية، كذلك يتسبب بهجرة بعض الكائنات الحية إلى منطقة القطبين لزيادة درجة الحرارة في بعض المناطق التي كانت تعيش فيها.

وبما أن السودان جزء من الكرة الأرضية فهو يتأثر بتلك التغيرات المناخية: معرفة حالة البيئة والتوقعات البيئية من أجل رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية أمر بالغ الأهمية. ويتميز السودان بمناخ متنوع يتراوح بين المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية في الشمال، إلى السافانا القاحلة في الشرق والغرب والجنوب، مع هطول أمطار موسمية في المناطق الوسطى بالبلاد. يتراوح متوسط درجات الحرارة السنوية بين 26 و32 درجة مئوية في جميع أنحاء البلاد.

توجد أقصى درجات الحرارة في أقصى الشمال، حيث يمكن أن تتجاوز درجات الحرارة في الصيف في كثير من الأحيان 43 درجة مئوية، وتهب العواصف الرملية عبر الصحراء الكبرى من أبريل إلى سبتمبر. موسم الأمطار الرئيسي هو من مايو إلى أكتوبر، حيث يتراوح هطول الأمطار بين أقل من 50 ملم في أقصى الشمال إلى أكثر من 1500 ملم في أقصى الجنوب.

مناخ السودان حار معظم أيام السنة، مع انخفاض هطول الأمطار الموسمية مع توجهنا شمالا. يتساقط المزيد من الأمطار في جنوب البلاد، حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي 692 ملم. متوسط درجات الحرارة مرتفع بشكل عام، مما يجعل البلاد جافة مع انخفاض هطول الأمطار. 

يصنف السودان – بحسب الأمم المتحدة – من بين البلدان الأقل نموا،  وبالتالي فهو متأثر بالتغير المناخي لا مؤثِّر فيه، فالسودان ليس بلدا  صناعيا،  وهو ما يعني أن حجم الانبعاثات ضئيل، لكنه أحد أكثر الدول تأثرا  بالتغير المناخي. وتشير الدراسات إلى أن بلدان القارة الأفريقية هي الأكثر تضررا  بسبب تدني قدرتها على التكيّف.

يعتمد خبراء المناخ على ثلاثة محاور رئيسية لقياس تغير المناخ في المنطقة: معدلات هطول الأمطار ودرجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر. ودراسة وتقييم أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة في عدد قليل من المدن السودانية باستخدام البيانات المناخية للهيئة العامة للأرصاد الجوية كنقطة انطلاق. 

وجد في شمال السودان، على سبيل المثال، دراسة أجريت على محصول القمح في السنوات العشر الماضية أن هناك فرقا قدره 10 أيام في توقيت الحصاد. بالإضافة إلى اختلافات في درجات الحرارة تميل إلى الزيادة خلال الخمسين سنة الماضية وتغيرات في هطول الأمطار تميل إلى الانخفاض في المستويات عند مقارنتها بمعدلات النصف الأول من القرن الماضي.

وتشمل تأثيرات التغيرات المناخية بالسودان (بدراسة وتحليل معدلات الأمطار والحرارة في بعض مدن السودان اعتمادا على البيانات المناخية التي تعدها الهيئة العامة للإرصاد الجوي) ما يلي:

الارتفاع المطرد في درجات الحرارة بين 0.2 درجة مئوية و0.4 درجة مئوية لكل عقد، بالإضافة إلى ارتفاعها بمقدار 0.5 درجة مئوية لتصل إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، مع ارتفاع شديد في درجات الحرارة في الشمال.

كما ستؤدي الزيادات في درجات الحرارة إلى تكثيف تأثيرات الجفاف من خلال زيادة التبخر النتحي وتقليل رطوبة التربة. 

زيادة مجاميع هطول الأمطار السنوية في موسم الجفاف بمقدار 20-30 ملم لكل عقد في أقصى الشمال والجنوب.

انخفاض مجاميع هطول الأمطار السنوية في موسم الأمطار بمقدار 10-30  ملم لكل عقد، خاصة في الغرب. وهدا ما حدث ولاحظناه خلال هذا الموسم (أكتوبر 2022) تقلبات في كمية وتوقيت هطول الأمطار.

زيادة وتيرة الأحداث المناخية المتطرفة، ولا سيما الجفاف في كردفان ودارفور، وكذلك في جزء من وسط السودان. ارتفاع منسوب مياه البحر الأحمر خلال القرن الماضي ما بين 10-20 سم. 

رغم عدم إمكانية التنبؤ بشكل كبير، إلا أن ارتغاع درجات الحرارة وتواتر الفيضانات والأمطار زاد بشكل ملحوظ بالفترة الأخيرة وأثر سلبيا على الزراعة والصحة العامة والبيئة. والسؤال الأهم: هل هنالك خطة وطنية للتغير المناخي بالسودان؟ لأن الأجيال القادمة ستواجه عالم يختلف تماما عن عالم اليوم.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *