صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

مشروع الجزيرة.. أي موسم أضاعوا

مزارع سوداني

صورة لمزارع سوداني

شارك هذه الصفحة

في العاشر من ديسمبر الحالي، تنتهيّ، طبقا لتوصيات هيئة البحوث الزراعِّية، المواعيد النهائية المقررة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالمشروع، والتي تبدأ عملياً في منتصف شهر نوفمبر، وتحذِّر الهيئة سنويا من مغبة زراعة أي محصول بعد هذه المدة، وفي الموسم الشتوي الحالي يأتي العاشر من ديسمبر ليجد ٩٠% من أراضي المشروع بلا تحضير ناهيك عن أن يتم زراعتها.

وكانت تقارير صحفية قد نقلت عن مدير الإدارة الزراعية بمشروع الجزيرة، إتجاه إدارته لإيقاف زراعة القمح بالمشروع، عقب تاريخ العاشر من ديسمبر الجاري، دون أن تنقل عنه أي إشارة للأسباب الحقيقية التي أدت لهذا القرار، والفاعل الرئيس لتأخير زراعة المحاصيل، وانعدام التمويل اللازم لها.

وبات الموسم الشتوي الذي تزرع فيه المحاصيل التجارية من أهم المواسم الزراعية بالمشروع، في ثمانينيات القرن الماضي، عقب دخول القمح للتركيبة المحصولية والذي حل تدريجيا، محل القطن بوصفه المحصول النقدي، عقب التحول في طبيعة المشروع من “إعاشي” إلى “رأسمالي- تجاري”، ليكتمل ذلك في تسعينيات القرن الماضي بخصخصة المشروع، وصولا إلى رفع الدولة يدها عن التمويل عقب عام ٢٠٠٥م.

ومنتصف نوفمبر استقال مدير الإدارة الزراعية للمشروع عثمان السماني مسببا لاستقالته في تصريحات صحفية بأن “الزراعة في مشروع الجزيرة اصبحت على مفترق طرق” ووصف الوضع بالمشروع “بالخطير جدا”، محذراً من أنّ الأزمة إذا لم يتم تداركها الآن “سيخرج المشروع تماما عن الانتاج الزراعي” مطالبا الدولة الالتفات لايجاد حل سياسي اقتصادي للمشروع … الذي باتت عوامل سقوطه وشيكة وقريبة جدا” طبقاً لما نُقل عنه.

ويعانيّ المشروع الآن من حالة شلل تام، وذلك لغياب القوانين الحاكمة، وعدم وضوح العلاقات بين المزارع والحكومة، وهي علاقة يصفها مزارعون بأنها علاقة “جابية” وذلك بعد تحول الحكومة من ممولة، إلى جابية للضرائب، عن محاصيل تم ريّ أغلبها بالأمطار، بعد أن عزت مياه الري بسبب سياسات هزمت قاعدة أساسية قام عليها المشروع وهي: “مشروع الجزيرة يروي انسايبيا، وتتحدرج قطرة المياه من أول نقطة لأقصى مدى للمشروع، دون أن تكلف قطرة جازولين واحدة” ولكن الآن فإن “جالون” من الجازولين، في بعض الأحيان “لا يجلِّب قطرة مياه” أو هكذا وصف أحد المزارعيِّن حال الري بالمشروع.

وفي ديسمبر الحالي، أقرّ محافظ مشروع الجزيرة، عمر مرزوق بعزوف غير مسبوق وسط المنتجين عن زراعة محصول القمح بمشروع الجزيرة في الموسم الشتوي الحالي. وعد ذلك نتيجة لسياسات وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، جبريل إبراهيم في العام 2021 بعد أن أحجم عن شراء محصول القمح من المزارعيِّن، بجانب عدم وضع السعر التأشيري للقمح حتى الآن ما اعتبره مرزوق من أكبر التحديات التي تواجه الموسم الشتوي، فيما لم يذكر أسباب أساسية مثل سياسة الدولة الكلية الرافضة للقيام بأي تمويل، وتركه للبنوك، والتي تشكى هي نفسها من ضعف إمكانياتها.

ومنيّ مزارعون العام الماضي بخسائر فادحة بسبب البون الشاسع بين تكلفة الإنتاج وأسعار المحاصيل في السوق، خصوصا محصول القمح، بعد أن رفضت السلطة والبنك الزراعي استلامه بالسِّعر المعلن، والذي “رغم نكوص السلطة عنه” كان يرفضه المزراعون لقلته وعدم تناسبه مع التكلفة العالية لإنتاجه، وكان ذلك ضمن أسباب أخرى، هو الذي أدى إلى عزوف المزارعين عن الزراعة.

وفي وقت لا يزال آلاف المزارعيِّن يواجهون موسم الشتاء بلا زراعة، تعلن الدولة في كل مرة عن وصول بواخر وسفن من الخارج، محملة بشحنات من القمح والذرة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى ضعف سعر المحصول المنتج محليا، لكونّ أنه يدخل في منافسة غير متكافئة، مع محاصيل شبيهة لكنها منتجة في ظروف تدعم فيها تلك الدول المنتج، وهو الأمر الذي سيؤدي تلقائيا إلى عزوف صغار المنتجين عن الزراعة، لكونهم أكثر الفئات تضررا من سياسة الدولة الحالية، وهو ما يفتح الباب لفئات رأسمالية “قديمة- متجددة” تقوم بشراء الأراضي وزراعتها، وهي تتلقى “دعومات” من الدولة عبر البنوك التي ترفض تمويل صغار المنتجين، وتموِّلُ كبار المنتجين بتسهيلات ومدة سدّاد طويلة الأمد، وذلك بعد أن يقوموا برهن مزارع خارج الدورة الزراعية أو تراكتورات، وغيرها من الآليات، وهو ما لا يتوافر عليه صغار المنتجين.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *