صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

لابد من تصفية بعض البنوك  السودانية (مقابلة)

عمر سيد أحمد

شارك هذه الصفحة

قال الاقتصادي والمستشار المصرفي عمر سيد أحمد إن موازنة 2023 ستكون مثل سابقاتها، لأن السودان الدولة في أضعف حالته، يفتقد الاستقرار السياسي والأمني، وتغيب عنه الرؤية الكلية لإدارة الدولة.

وذكر أن البنك المركزي، طيلة فترة النظام المباد، تعرض لتدخلات سلطة القصر الجمهورية ووزارة المالية، وفرضت عليه سياسات مضرة.

واعتبر النظام المصرفي في السودان ضعيفا وهشا، لافتا إلى عدم التزامه بالحد الأدنى لكفاءة رأس المال.. أدناه نص مقابلة أجرتها (الحداثة) مع سيد أحمد.

هل يستقيم أن نتحدث عن موازنة لعام جديد دون أن يكون هناك برلمان أو حكومة، خاصة وأن بعد انقلاب ٢٥ عاشت البلاد حالة اللادولة؟

حالة اللادولة التي يعيشها السودان بعد انقلاب 25 أكتوبر تتمظهر في عجز السلطة الانقلابية في تشكيل حكومة لأكثر من عام، وتتم إدارة الدولة بوزراء مكلفين في بعض الوزارات، وتتمركز السلطات في يد السلطة الانقلابية، ويغيب دور الأجهزة الرقابية، سواء على مستوى الحكم، من برلمان وجهاز تشريعي يراقب أداء الجهاز التنفيذي ويوجهه، وانتهاء بأدوار رقابية لأجهزة مهمة في الرقابة على المال العام.

استمرار حالة اللادولة ينسحب على مجمل أداء الدولة وليس فقط استقامة أو عدم استقامة الحديث عن موازنة وإنما جدوى الاستمرار في نفس السياسات الاقتصادية التي أثبتت فشلها وساهمت في إفقار القطاع الأكبر من الشعب السوداني. وبقراءة سريعة لما نشر عن الموازنة للعام الجديد يلاحظ أنها جاءت تأكيدا لما كانت تقوم به حكومة الإنقاذ بالاستمرار فيما درجت عليه وزارة المالية على تخصيص أكثر من ثلثي الموازنة كل عام لمصلحة القوات النظامية، وتنال القوات المسلحة النصيب الأعظم منها، وتتدرج إلى جهاز المخابرات العامة وقوات الدعم السريع والشرطة وتوجيه أقل نسبة من موارد الدولة للصرف على مطلوبات حياة المواطن، من صحة وتعليم ودعم للمعيشة.

فيما يختص بالموازنة والاقتصاد السوداني يجب الإشارة إلى مواصلة السلطة الانقلابية في سياسة التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء والتعليم والدواء، والمزيد من فرض الضرائب والجبايات لا لخدمة المواطنين بل لتمويل أجهزة القمع الوحشي للمواكب السلمية، ولدعم اتفاق جوبا الذي فشل في تحقيق السلام في دارفور والمنطقتين، وتحول إلى مناصب، ولم يخاطب ويحل قضايا أصحاب المصلحة في معسكرات النازحين وجماهير المنطقتين. إضافة لتسليع التعليم العالي، ورفع الدولة يدها منه، حتى مرتبات الأساتذة أصبحت بالكاد تغطي أبسط النفقات، وأصبح العمل في الجامعات طاردا، كما جاء في بيان الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم الذي أشار إلى تخفيض الموازنة من 225 مليون دولار عام 2007 إلى 50 مليون دولار في العام 2022.

 كما أشارت الامدادات الطبية للنقص المريع في أدوية أمراض الكلى والأورام والقلب، إضافة لضعف التمويل للمزارعين وفرض الضرائب الباهظة عليهم، وارتفاع مدخلات الإنتاج وتكاليف الوقود والكهرباء مما هدد الموسم الزراعي، وأدي لشبح المجاعة الذي يهدد حوالي 15 مليون. إضافة لاتساع إضرابات العاملين من أجل رفع الأجور وتعديل الهيكل الراتبي كما في إضراب المعلمين، والعاملين في ديوان الضرائب، ووزارة الصناعة، والعاملين في المهن الصحية.

لماذا أصبح بنك السودان بلا سلطة مالية في عهد النظام المباد وانقلاب ٢٥ أكتوبر؟

البنك المركزي هو المؤسسة المسؤولة عن الإشراف ومراقبة وتوجيه النظام المصرفي في الدولة بداء من منح الترخيص وانتهاء بمراقبة أداء الجهاز المصرفي وسلامته وفق ضوابط وإجراءات وبشكل عام البنك المركزي من مهامه الأساسية الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في الدولة والأسهام في تعزيز النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم، ويجب ضمان استقلاله التام عن الجهاز التنفيذي.

عانى البنك المركزي طيلة فترة النظام السابق من تدخلات سلطة القصر الجمهوري ووزارة المالية في فرض سياسات مضرة تعيق وتفرغ البنك المركزي من دوره في الحفاظ على استقرار النقدي والاطمئنان على سلامة الجهاز المصرفي وأدائه لدوره في الاقتصاد كرافعة مهمة .

كثير من المراقبين والمهتمين بأداء البنك المركزي طيلة فترة النظام السابق أبرزوا في كثير من المحافل وفي الإعلام المآخذ على البنك المركزي المسيس لخدمة الحزب وضرورة اصلاحه الهيكلي والتنظيمي وظلت تدعو السلطات بعد الثورة إلى الاسراع بإعادة هيكلة البنك المركزي والجهاز المصرفي لضمان أداء دوره المهم.

ومن المآخذ على البنك المركزي والسلطات الحاكمة وفي ظل وجود ما يقارب أو يتجاوز 90 إلى 95% من الكتلة النقدية خارج النظام عدم إيلائها لدعوات تغيير العملة بعد حالات التزوير الكبيرة التي نشرت بشكل واسع، وأعلنت بعضها بواسطة السلطات الأمنية، ومازالت تسود حالة من الضبابية حول طباعة العملة لتمويل الموازنة وعدم وجود إحصائيات منشورة من جهات ذات مصداقية عن الحجم الحقيقي للكتلة النقدية في السودان .

كما يؤخذ على البنك المركزي الضعف البين للجهاز المصرفي السوداني الهش والمتواضع والذي يعاني من ضعف حقوق الملكية البين وعدم التزام المصارف بتحقيق الحد الأدنى لكفاءة رأس المال وفق مقررات لجنة بازل الأولى والثانية والثالثة.

ووفق الدراسات والمنشور من التحقيقات نجد أن أكثر من ثلثي المصارف (من جملة 38 مصرفا عاملا بالسودان) لا تحقق الحد الأدنى وفق المقررات (بازل الأولى) وهي 8% وحتى المصارف القليلة التي رفعت رؤوس أموالها لا تتجاوز النسبة لديها عن 3% ويعزى ذلك إلى ضعف رؤوس أموال المصارف وتآكلها بسبب الانخفاض المستمر لقيمة الجنيه السوداني وبمقارنة بالإقليم نجد أن جملة حقوق الملكية لمجموع المصارف السودانية. لا يتجاوز المليار دولار أو أقل إذا أخذنا في الاعتبار الزيادات التي طرأت على رؤوس أموال بعض المصارف أو أقل (699 مليون دولار وفق دراسة بأرقام عام 2021) مقارنة بحقوق الملكية لأكبر مصرف في إحدى الدول المجاورة الذي تبلغ حقوق ملكيته الـ 16 مليار دولار! وهذا يعضد الدعوة التي ظللنا ننادي بها، وغيري كثر، بإعادة هيكلة النظام المصرفي بفرض بنك السودان حد أدنى لا يقل عن 500 مليون دولار رأس مال البنك في السودان يحقق على مدى ثلاثة أعوام ودمج أو تصفية المصارف غير الملتزمة بنهاية المدة المقررة مع المتابعة اللصيقة. كما يؤخذ على البنك المركزي ملكيته لأسهم في عدد مقدر من المصارف مما يمثل تعارضا بينا للمصالح في تحقيق دوره كمراقب ومشرف ومانح للترخيص والمقرض الأخير للبنوك، ومن المآخذ على البنك المركزي اتخاذه خطوات نحو إعادة العمل بالنظام المصرفي العالمي بعد الإعلان عن توقيت انتهى منذ أكثر من عامين؛ لأن النظام المصرفي الحالي بعجزه البين وافتقاده لمعايير عالمية أخرى، سيظل أمر اندماجه في النظام المصرفي العالمي مجرد أمنيات .

ماذا عن المصطلح الجديد في الحياة الاقتصادية السودانية التجنيب، وما أسبابه؟

التجنيب ممارسة دخيلة على النظام المالي المتماسك للدولة، والذي لا يحقق ولا يضمن الولاية الكاملة للدولة على المال العام، وبموجب هذه الممارسة المقننة ظلت الوزارات تجنب من الإيرادات وتمنح نفسها الحق في الصرف وفق أولوياتها مما يخل بأولويات الدولة في توجيه الموارد مع ضمان تحقيق درجة شفافية وإفصاح عالية تمنع الفساد .

والقاعدة هي ولاية الدولة على المال العام من إيرادات ومصروفات وفق موازنة معدة بموجب موجهات معلنة وأهداف متوافقة مع السياسات الاقتصادية الكلية للدولة، وقد ظل النظام المالي الذي تركه المستعمر متماسكا بولاية كاملة للدولة، من خلال وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي حيث كانت كل ايرادات الدولة تحت سلطة وزارة المالية، ويتم الصرف وفق بنود الموازنة المصدقة والمراقبة من الجهاز التشريعي، وبابتداع موضوع التجنيب لم تعد لمالية الدولة جهة واحدة تضمن الإدارة الجيدة والمتوازنة للمالية بشفافية كما كانت المدخل للفساد المالي المستشري حتى النخاع في مفاصل الدولة .

وامتد التجنيب لرفع المالية يدها من الولاية عن 82% من اقتصاد وموارد الدولة، التي ظلت تدار بواسطة شركات الأجهزة النظامية باستقلال شبه تام كما أعلن رئيس وزراء الحكومة الانتقالية بعد الثورة، وظلت المؤسسات المالية الدولية تشترط لإعادة علاقاتها مع السودان إلى أهمية الولاية الكاملة للحكومة من خلال أجهزتها المالية الفعالة من وزارة مالية مقتدرة وفاعلة وجهاز رقابي فعال غير مسيس.

ظل البنك المركزي خاضعا لديون في الداخل والخارج، بسبب النظام المباد والانقلاب الحالي ومن قبل الحكومة الانتقالية، وهذه الديون تفوق القيمة الحقيقية للبنك المركزي كيف ترى الأمر؟

أعتقد أن المنشور والمعلن من قبل الحكومة الانتقالية الأولى حول إعفاء ديون السودان للمؤسسات المالية الدولية والاستفادة من مبادرة (هيبك) لإعفاء الجزء الأكبر من ديون السودان كان كافيا وشفافا من قبل الحكومة بما فيها البنك المركزي، وللأسف قطع انقلاب 25 أكتوبر الطريق.

ثورة ديسمبر وإسقاط حكومة الإنقاذ في 2019م أدت لإنفراج في علاقة السودان بالمجتمع الدولي وتم إنهاء الحصار الاقتصادي، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتم عقد عدد من الاجتماعات مع الهيبك وبعض المؤسسات الدائنة للسودان، إلّا أن عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي لازم الأداء في الفترة الانتقالية السابقة وعدم السير في إتجاه الحكم المدني والتحول الديمقراطي وضمان الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة أدى إلى عدم استفادة السودان من الإنفراج الذي حدث في علاقته الجديدة مع المجتمع الدولي والوصول إلى نقطة الإنجاز وإعفاء أو إعادة جدولة الديون الخارجية، وهذا من أكبر التحديات التي تواجه هذه الموازنة، وفقد السودان أكثر من 4 مليارات دولار كانت في طريقها إليه من المجتمع الدولي، و500 مليون دولار من الولايات المتحدة كانت مخصصة لدعم موازنة العام 2022، بسبب الانقلاب العسكري وإن كنت أتحفظ على حكومة الثورة إصرارها على الاستمرار في تطبيق السياسة الاقتصادية القاسية والفاشلة، كما ظل يتبعها النظام البائد، وكان أحد أسباب الثورة، وأرى البديل المناسب هو تطبيق سياسة اقتصادية تقوم على حشد الموارد الذاتية، كما فعلت دول عانت من المشاكل الاقتصادية والحديث ذو شجون إذا أشرنا إلى الموارد الضخمة التي يتم تهريبها، أو تصدر الخام في ظل الاقتصاد الريعي السائد منذ أكثر من 6 عقود بالاعتماد على ريع تصدير خامات بأقل من ربع قيمتها في الأسواق العالمية.

هذه التحديات تقابل موازنة 2023 عند التنفيذ مما يجعلنا نقول إنها ستكون كسابقاتها حيث من الصعوبة بمكان التغلب على هذ التحديات والسودان الدولة في أضعف حالاته، يفتقد الاستقرار السياسي والأمني وتغيب عنه الرؤية الكلية لإدارة الدولة.

كيف ترى فرض الضرائب وزيادات الأسعار بعد كل فترة؟

أكد وزير مالية الحكومة الانقلابية أن موازنة 2023 تم إقرارها “بالاعتماد على موارد البلاد الذاتية”، وحذر من “تداعيات قاسية على الأوضاع الاقتصادية في ظل وقف الدعم الدولي”.

وتوقع بروز “مؤشرات انكماشية وتذبذب أسعار العملة، نتيجة للتحكم الشديد في عرض النقود، الذي بدوره يؤدي إلى فقدان وظائف وإغلاق المصانع والشركات التي قد تؤدي إلى تعميق المشكلة الاقتصادية في البلاد.

من الواضح أن أهداف الموازنة لم تخرج عن النمط التقليدي لأهداف الموازنات السابقة، الأهداف الواردة في الموازنة أنها ستعتمد على تطوير وتفعيل مصادر الإيرادات الذاتية من خلال زيادة كفاءة التحصيل والجهد المالي والضريبي للدولة، وترشيد الإعفاءات الجمركية والضريبية والاستمرار فى سياسة التحرير ورفع الدعم، والعمل على مراجعة قانون تشجيع الاستثمار، إضافة إلى خفض العجز الجاري في الموازنة إلى مستويات آمنة. واضح أن ما يتحقق فعليا هو فرض ضرائب تطال الضعفاء من الشعب وغياب أي رؤية أو إرادة لتطبيق سياسات للإصلاح المالي بخفض الانفاق العام وزيادة الانفاق التنموي والانفاق الموجه لصالح الحماية الاجتماعية بالتركيز على التعليم والصحة وتخفيف أعباء المعيشة بوضع السياسات اللازمة لتقليل الآثار السالبة لسياسة التحرير الاقتصادي واستمرار الإيفاء بمطلوبات اتفاقية سلام جوبا وتوفيرها من الضرائب.

هذه التحديات تقابل موازنة 2023 عند التنفيذ مما يجعلنا نقول إنها ستكون كسابقاتها حيث من الصعوبة بمكان التغلب على هذ التحديات والسودان الدولة في أضعف حالاته يفتقد الاستقرار السياسي والأمني وتغيب عنه الرؤية الكلية لإدارة الدولة.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *