صحيفة الحداثة

وعي جديد لبناء حداثة وليدة الثقافة

موازنة عامة في واقع مختل..ما النتيجة؟

نساء في موسم الحصاد

نساء في موسم الحصاد

شارك هذه الصفحة

مع أن الموازنة العامة للدولة للعام 2023م، لم تتم إجازتها حتى الآن من سلطة تشريعية أو تنفيذية، كما أن تفاصيلها لا تزال طي التكتم، إلا أنها أصبحت سارية– فيما يبدو- الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات بشأن ما يمكن أن يترتب على هذه الخطوة التي اختارتها حكومة انقلاب 25 أكتوبر، فما الذي يترتب على هذا الوضع المختل؟

فعدم إجازة الموازنة الجديدة التي أودعت وزارة المالية تقديراتها لدى مجلس الوزراء، الشهر الماضي، يثير كثير من التساؤلات لدى الخبراء الاقتصاديين بشأن تفاصيل تلك الموازنة، لا سيما الموارد التي اعتمدت عليها، وكذلك حجم العجز والسبل التي اتبعتها الحكومة لتغطيته، وهل جاء الموازنة محملة بأعباء جديدة على المواطن المنهك أم لا، وما إلى ذلك من التساؤلات، باتت مشرعة أمام الشارع المثقل بالضغط المعيشي.

يقول الخبير الاقتصادي د. أحمد حامد إن الموازنة التي أعدت في تکتم شدید وأخذت طریقها للتنفیذ دون إجازتها من سلطة تشریعیة لتصبح قانونا، تحمل فی طیاتها أعباء إضافیة لا قبل للمواطن بتحملها.

وأشار في مقابلة مع “الحداثة”، إلى خطورة تمادي وزارة المالية في فرض الضرائب وزیادة رسوم الخدمات وأسعار السلع إلی ما لا نهایة لتمویل الإنفاق المتضخم لسلطة الانقلاب.

منذ انقلاب 25 اكتوبر ارتفعت اسعار السلع والخدمات اضعافا، في وقت تعاني الاسواق ركودا وتندني في حركة الشراء والبيع.

يشير الصحفي المختص بتغطية الشان الاقتصادي، عاصم إسماعيل إلى جملة آثار سلبية ستترتب على عدم المصادقة على الموازنة، قائلا: “كل بنود الصرف المختلفة ابتداء من المرتبات والتنمية أو التسيير ستواجه بعقبات حقيقية بسبب عدم إجازة الموازنة”، متوقعا أن توالي معدلات التضخم ارتفاعها بجانب ارتفاع أسعار السلع والخدمات، فضلا عن هروب المستثمرين وانخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية.

ولفت إسماعيل في حديث مع “الحداثة”، إلى أن عدم وجود قوانين تحكم العملية الاقتصادية ستكون محصلته زيادة البطالة وتدني الإنتاج وتدهور الاقتصاد الذي يمكن أن يبلغ مرحلة التوقف التام، وبالنسبة لاسماعيل فهناك مؤشرات، حيث يرى أن توقف المدارس سببه الحقيقي هو عدم توفر الموارد التي يمكن أن تواجه بها المشكلة، وبالتالي يتوقع تعدد الإضرابات المطلبية في المرحلة المقبلة لعدم وجود حركة اقتصادية.

مطلع يناير، أعلنت عدد من المؤسسات زيادات على رسوم الخدمات، أبرزها وزارة الداخلية وعدد من الجامعات، ما ضاعف من سخط الناس على حكومة الانقلاب، متسائلين عن قانونية الخطوة في ظل عدم إجازة الموازنة العامة.

في السابق، وفي ظل غياب البرلمان، يشكل مجلسا السيادة والوزراء الانتقاليين، مجتمعين، هيئة تشريعية للنظر في الموازنة وتمرير القوانين المتصلة بها، إلا أن تلك الحلقة لم تعد قائمة منذ 25 أكتوبر 2021، بفعل الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وتضمنت إجراءاته حل مجلسي الوزراء والسيادة، لتصبح الدولة في حالة اللاحكومة.

وزير المالية جبريل إبراهيم، حاول نفض يده من حالة الفوضى الضاربة قائلا إن وزارته لا تملك سلطة فرض ضرائب أو رسوم جديدة، لأنّ ذلك من اختصاص السلطة التشريعية.

وذكر في تغريدة، الشهر الماضي، أن الوحدات الحكومية هي التي تقترح تعديل رسومها وفق تقديرها لتكلفتها الحقيقية، ويقتصر دور الوزارة في الموافقة عليها.

وقال إن وزارة المالية لا علاقة لها بالرسوم الدراسية التي تفرضها الجامعات ولا يتم استشارة الوزارة، كما لا علاقة لها بالجبايات التي تتم في المحليات والولايات وطرقها.

بحسب خبراء اقتصاديين فإن الحكومة لجات إلى خيار فرض الجبايات والرسوم، كإيرادات فعلية شهرية والإنفاق بناء عليها، وهو ما سيضع أعباء قاسية على المواطن المنهك أصلا جراء الظرف الاقتصادي الصعب، وفي بلد بلغت نسبة الفقر بين مواطنيه 46% بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

بحسب عاصم إسماعيل فإن الموازنة عند إجازتها تصير قانونا يضبط ويحكم العملية الاقتصادية وبنود الصرف المختلفة، وبعدم إجازتها فإن الزيادات في الرسوم والضرائب ستخضع لتقديرات وزارة المالية أو الوزير، “لأنه لا يوجد قانون يمنع الوزير من زيادة الرسوم والضرائب لتغطية بنود الصرف خاصة المرتبات”. 

وينبه إلى أن الوضع السياسي العام بالبلاد، مرتبط ارتباطا وثيقا بالشأن الاقتصادي وبالخصوص الموازنة العامة للدولة، والآن لا توجد حكومة، فمن الطبيعي ألا تكون هنالك موازنة ولهذا تداعيات خطيرة على البلد.

الأسبوع الماضي، كشف وزير المالية جبريل ابراهيم، في مقابلة مع “سودان تربيون” أن تقديرات الموازنة تلبغ 5 تريليونات جنيه، وأقر بوجود عجز لا يتخطى 15%، مشيرا لإمكانية تغطيته باللجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي.

لكنه في ذات المقابلة قال إن التحدي الأكبر أمام الموازنة يتمثل في الحصول على الإيرادات الكافية لتغطية المصروفات المتوقعة، وبالتالي فإن شح الإيرادات هو البوابة التي ستجعل خيار زيادة الرسوم والضرائب هي الأسهل، غض النظر عن الأوضاع المزرية التي يروح فيها المواطن.

وفقا لاقتصاديين فإن شح الإيرادات هو العقبة التي عطلت قطار الموازنة من العبور في الموعد المحدد، وتحاول وزارة المالية الاستفادة من الوقت الإضافي للتفكير بشأن توفير الإيرادات بما في ذلك، اللجوء للاستدانة من النظام المصرفي، وفرض الضرائب والجبايات.

ويحذر اقتصاديون من أن اتباع هذه السياسات ستؤدي لزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع وانخفاض الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وهي بالأساس ما ذهب إليه وكيل وزارة المالية عبد الله إبراهيم، عندما قال في تصريحات، الاثنين الماضي “إن اعتماد موازنة العام المقبل سيكون على الإيرادات الذاتية مما يتطلب تحريك الموارد من الضرائب والجمارك والرسوم الإدارية وعوائد الذهب والنفط”، داعيا لاعتماد فهم جديد للموازنة في الانفاق وتوسيع المظلة الضريبية.

وصف المحلل الاقتصادي محمد وداعة في مقال الاربعاء الوضع بالكارثي، مؤكدا ان موازنة 2023م، مواجهة بتحديات حقيقية فى بند الايرادات والمصروفات، مشيرا الى انها فقدت هذا العام اهم ايراداتها من العون الدولى (2) مليار دولار، وفقدت حوالى (700) مليون دولار منح ومساعدات، بينما يتوقع تراجع الايرادات الجمركية والضريبية بعد توقف حوالى (2500) مصنع بسبب تكلفة الانتاج وانعدام المنافسة مع المستورد، وهروب اموال ضخمة الى الخارج بسبب الضرائب، وتدنى الاستيراد (المنظم)، وانتشار التهريب بانواعه ( واردا وصادرا)، و عجز غير مفهوم الاسباب لاحجام المصارف عن التمويل.


شارك هذه الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *