ماري قريس براون* ترجمة: أحمد النشادر
أفادت صحيفة سودان ستار Sudan Star في يونيو من العام 1950م أن القابلة السودانية، ست حواء علي بشير، كانت في طريقها إلى لندن لتتقلد ميدالية عندليب فلورنسا Florence Nightingale من ملكة إنجلترا. وإبّان وصولها، أثار مظهر المرأة ذات الـ 35 عاما شيئا من الضجة.
كانت ترتدي “توبا بطول 9 يارادات” غطى قوامها برمته تقريبا. كتبت الصحيفة “تحت خمارها، وجهُ عليه وسوم قبلية، شفة مرسومة، شعرٌ فاحمٌ مصففٌ على نحوٍ تقليدي. والسيدة حواء، مصرة، فوق ذلك، على ألا تغيّر طريقة ملبسها السودانية… وتوقعت أن يشكّل تصفيف شعرها ضربا من معضلة، لأنه من السليم القول إنه ما من مصفف شعر في لندن يستطيع التصدي لهذه المهمة”.
قُصد من المقالة التي ركّزت على شعر القابلة وملابسها أن تكون خفيفة الظل ومسلية. لكن بالنسبة للمؤرخ، فإن إصرار ست حواء “على ألا تغير طريقة ملبسها السودانية” تذكير خطيرٌ بالقيمة الثقافية والسياسية التي تضعها النساء السودانيات في الموضة والزي.
شهدت السنوات القريبة الماضية صعودا في الاهتمام الأكاديمي بالتاريخ والثقافة والسياسة السودانية. رغم ذلك، ظلت أصوات النساء السودانيات مهمشة ومهملة. وقد حاج الباحثون الغربيون على وجه الخصوص، بأن تاريخ النساء لم يعد بالإمكان استعادته، نسبة لمستويات التعليم المنخفضة وثقافة “الحريم” المتشددة في النصف الأول من القرن العشرين، أو أن النساء السودانيات لم يفعلن أكثر من ترديد أصوات أبائهن، وأزواجهن، وأخوانهن. مع ذلك، فإن الناشطة والمعلمة السودانية البارزة، نفيسة أحمد الأمين، التي بلغت سني نضجها في نهاية الأربعينيات من العقد، تصر على أن “وعي النساء السياسي كان أعلى من تعليمهن”1.
وعلى نحو مماثل، تقترح الأنثربولوجية جانيس بودي Janice Boddy في تحليلها لطقس الزار أن النساء السودانيات كن “أنثربولوجيات لاواعيات” قادرات على “غربلة وتفسير والاستفادة من معلومات عن العالم ما وراء جدران حيشانهن، على نحوٍ غير مباشر”2.
في واقع الأمر، فإنني أحاجج بأن النساء السودانيات في بداية القرن العشرين، كن معلقات اجتماعو- سياسيات على درجة عالية من الوعي. لم يكن وعيهن السياسي متموضعا في نصوصٍ مكتوبة، بل في الجسد. وبوصفهن ممنوعات من الأشكال الأخرى للمساهمة السياسية، فقد استعلمت النساء السودانيات الشماليات الموضة ليدوّن ويصنعن معنى التغيرات الاجتماعية والسياسية المتسارعة من حولهن.
مثلت الموضة أداة قوية وممتعة على حدِّ سواء للتعليق السياسي. وبوصفها امتدادا لسطح الجسد، فإن الملابس تعكس وتنقل المكانة والقيم والانتماء. لكن القماش أكثر لدونة من اللحم. وبالتالي، فإن أساليب اللبس والأزياء أكثر تكيفا واستجابة للتغيرات إلى حدٍّ كبير. وقد بيّن الباحثون في مجال الملبس، بوضوح، وخصوصا في إفريقيا، كيف أن الأسواق المتوسعة، والتمدين، ومعايير الحداثة وأخلاقياتها، ودخول ماكينة سينجر للخياطة، غيّرت كلها وعلى نحوٍ درامي القوانين الموجودة للموضة والزي.4
وقد بيّنت هذه الدراسات متجاوزة الثنائيات المقيدة للمحلي/ والدخيل، والتقليدي/ الحديث، أن الأفارقة وموضاتهم استجابوا للتقليعات الخارجية عبر استراتيجيات متباينة للاستيعاب، والرفض، والمحو.
تذكرنا الأنثربولوجية هيلدا هندركسون أن سطح الجسد موقع رئيسي للفعل السياسي والاجتماعي: مفتوحٌ للمعاني المتناقضة، وقادرٌ على الإحالة للرغبات الفردية والجماعية على حدِّ سواء.5
مثل هذه الأطر بنّاءة، خصوصا في تحليل وظائف موضة النساء في السودان. حتى ضمن الموجهات الاجتماعية المقيدة لـ “ثقافة الحريم”، عمل الزي بوصفه منصة فعّالة لوعي النساء السودانيات المثير للاهتمام، وللرغبات الفردية داخل الفضاءآت والمناقشات العامة.
مقارنة بجاراتهن، فإن النساء السودانيات في النصف الأول من القرن العشرين كن نسبيا مقاومات للموضات الغربية. واعتبرت الكثيرات أن الأزياء التي رأين النساء الأوربيات يرتدينها غير محتشمة أو غير لائقة. 6 عوضا عن ذلك، اعتنقت النساء السودانيات التوب- وهو موضة سودانية تماما، وله ارتباطات عالمية وحميمة.
دخل التوب أولا في نهاية القرن الثامن عشر، وقد أستورد كبضاعة مرفهة لترتديه زوجات التجار والطبقة الجديدة من النخبة الحضرية. وتحت حكم المهدية المناصر للقومية، اكتسب التوب أفضلية بوصفه زيا سودانيا أصيلا مُشبعا لمعايير الحشمة بالنسبة لنزعة المحافظة الدينية الجديدة. وبحلول القرن العشرين، كان التوب زيا يوميا مقبولا للنساء في شمال السودان.
وحوالي ذلك الزمان، اكتسب التوب أيضا دلالة ثقافية مهمة. منح الآباء والأزواج بناتهن وزوجاتهن التياب للاحتفال بالمراحل المهمة في حيواتهن: بداية الطمث ” البلوغ”، والزواج والولادة. وبسبب هذه الصلة بدورة حياة النساء، لم يكن التوب علامة على الثروة المادية فحسب، بل على الروابط العائلية والأدوار الجندرية كذلك. وقد شكّل تبادل التياب اقتصادا حميما، ربط النساء والرجال ببعضهم في المجتمع المحلي، الذي احتفل بخصوبة النساء السودانيات وأعاد توليدها “إنتاجها”.
لكن بعدا آخرا للتوب جعله منصة ذات معنى لأصوات النساء وخيالاتهن السياسية، على وجه الخصوص: حيث اتخذ كل زيّ اسما. ترواحت هذه الأسماء من ماركات أساسية تحدد أصل الملبس إلى حيل تسويقٍ فخمة. توب الدمورية المتواضع كان يصنع من قماشٍ مغزول يدويا ومنتج محليا، وسميّ على (الدامر) وهي مدينة في الشمال الشرقي. “بنغالي” توب أبيض متوسط الجودة محفوف بشريط أزرق ومفضلٌ من القابلات والمُعلمات، وقد كان يُستورد من البنغال. وفي النهاية الأخرى لهذا المدى، كان توب “التوتل”، وهو مصطلح عام يطلق على أعلى التياب جودة والمصنوعة من الشركات الإنجليزية توتال Tootal، وبرود هيرست Broadhurst، ولي Lee. إضافة إلى هذه الأساليب الأساسية الثلاث، بيّنت أسماء أكثر إبداعية مدى الرغبة في خامة أو جدّتها، وخلقت في الغالب صلة مع الثقافة الشعبية.
سُميَّ توب رائج من العام 1915م بـ “وِليِد السافل” وقد لا يبدو هذا الاسم فخما، لكن ورد أن العرائس كن يصبن بالعبوس إذا لم يتلقينه كهدية من الذين سيصيرون قريبا أزواجهن. بينما يحيل توب “رموش أولاد بري” وهو اسمٌ شاعري آخر، إلى الرموش الجميلة لـ (أولاد بري) الفرقة الغنائية الشهيرة في عقد الأربعينيات.
احتفت الثياب أيضا بالحوادث المفصلية المهمة مثل توب “دواء الدكتور” المخطط، الذي خلّد ذكرى أول فصل متخرج من مدرسة كتشنر الطبية في العام 1928م. وأخيرا، لعبت تياب مثل توب “يسمِّك” على حسد ورغبة النساء تجاه آخر التقليعات والأساليب.7
لم تكن هناك من ممارسة معيارية أو كلية لعملية تسمية التياب. وكانت أقمشة التياب تصل السودان في كتل كبيرة لا تحمل شيئا سوى علامة المُصنِّع التجارية. وقد كان الأمر عائدا للتجار المحليين، ليقدروا بعناية الاسم الذي سيمنح لكل دفعة جديدة من الأزياء. وقد جعلت مثل هذه العلامات التجارية المذكورة أعلاه، والتي تحيل إلى ثيمات معاصرة، المرأة تعرف أن توبها المختار يمثل الموضة. وما أن يسمى التوب الجديد حتى يشتهر شفهيا، منتشرا من شخص إلى آخر عبر الكلمة المنطوقة. وعلى نحوٍ أكثر رسمية، فإن أغاني وألحان الحب المؤلفة خصيصا للأعراس والمغناة فيها لمدح العروس، قد كانت تعلن أيضا عن التقليعات الجديدة. وقد كان التجار يأملون في أن تبحث المرأة، التي حضرت العرس أو سمعت التوب يوصف في أغنية رومانسية، عن الموضة الجديدة من أجل عرسها الخاص.
وقد كانت عملية تعاون مهمة، قيد الاشتغال، فرغم أن التجار الرجال أختاروا الأسماء، إلا أن التفضيلات الجمالية للنساء هي التي حددت نجاح أي أسلوب أو تقليعة. ونادرا ما صار، التوب الذي فشل اسمه في التردد عند النساء، شعبيا. لذا، فإن الرجال والنساء سوية قد شكّلوا أهمية أي توب. واليوم، تقف الأسماء العالقة في الذاكرة للتياب الشهيرة بوصفها سجلا مميزا لقيم النساء السودانيات واهتماماتهن وتجاربهن. وكما غدت النساء أكثر اهتماما بالسياسة، كذلك أيضا فعلت تيابهن.
مع تقدم الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، واستفادة نساء شمال السودان من فرص تعليم أكبر، صارت أسماء التياب أشبه بافتتاحيات الصحف على نحوٍ متزايد، موفرة تعليقا على الأحداث السياسية الأساسية. تشمل التياب المشهورة من تلك الفترة، “الحرية”، و”الاستقلال”، و”مؤتمر باندونق”.
لم تعد أسماء التياب تُركِّز على الجدة والفخامة، على نحوٍ أساسي. فقد سعت حينها لالتقاط استثارة من نوعٍ مختلف، أي التغيرات الاجتماعية والسياسية الجارية قوميا وعالميا، على حدٍّ سواء. فقد بشّر توب “السلك الدبلوماسي” بوصول السفارات الأجنبية عشية الاستقلال. وقد خُلّدت ذكرى مصالحة مفصلية بين القائدين السياسيين، السيد علي الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي، بتوب “اتفاق السيدين”. وسمّي توب معنقد عالي الجودة بـ “أزهري في المطار”، جامعا بين شخصية رئيس وزراء السودان الأول إسماعيل الأزهري وجاذبية المواصلات السريعة.
كانت أصوات النساء جزءا من هذا المشهد. ورغم أن الحزب الشيوعي السوداني كان الحزب السياسي الوحيد الذي سمح بوجود عضوات، إلا أن خيطا جريئا من النشاط النسوي المستقل قد نما إلى جانب الوطنية السودانية. ومنذ الأربعينيات من القرن العشرين فصاعدا، فقد عملت منظمات عديدة، في نطاق فلسفات سياسية عديدة، مثل الاتحاد النسائي السوداني، وجمعية نهضة المرأة الثقافية بأم درمان، والأخوات الجمهوريات، لتحسين وضع النساء السودانيات، عبر برامج محو الأمية، وإصلاحات قوانين الأحوال الشخصية، والعلاقات مع الحركات النسائية العالمية.
وقد لفتت هذه الطاقة السياسية انتباه عميل منتج تياب عالية الجودة، توتال Tootal، برودهيرست Broadhurst ولي Lee، فقد سعى عميل من الشركة لعضوات الاتحاد النسائي السوداني وطلب منهن اقتراح أسماء لأحدث تقليعات وأساليب التياب، بناء على القضايا المحلية وموضوعات النقاشات الجارية. وليس مثل معظم أسماء التياب، والتي كانت وليدة تفاعل بين النساء والتجار بعد وصول الأسلوب الجديد للسوق، فإن الأسماء المختارة ستطرّز باللغة العربية والإنجليزية في علامة توتال التجارية أثناء الإنتاج.
موديلات متقدمة من تلك التياب الحصرية شُحنت حينها لاختيار عضوات الاتحاد. 8 لم يحتفظ الأرشيف السوداني، ولا أرشيف شركة توتال، بسجلّ لهذه الأسماء المُقترحة. رغم ذلك، تعكس تياب من تلك الفترة التركيز القوي على النشاط النسوي، حيث سميت تقليعات بجرأة بتوب “الاتحاد النسائي”، وتوب “أسبوع المرأة”.
هذا هو الوعي السياسي الذي تحدثت عنه نفيسة أحمد الأمين أسماء التياب المحرضة للذاكرة، نسجت تداخلا بين الأجساد والسياسة. بالنسبة لنا كمؤرخين، فإن الوظيفة الإعلامية السياسية “على شاكلة التعليق السياسي” لهذه الأسماء، تجبرنا على أن نعيد النظر في المُسلّمة الشائعة أن ما هو “عام” وما هو “سياسي” هما بالأساس فضائين للذكور. 9 عوضا عن ذلك، وفرت الموضة المنصة التي أضافت منها النساء السودانيات أصواتهن، وأحكامهن، وحسهن الفكاهي فيما يتعلق بالقضايا الراهنة حينها.
لكن، من المهم ألا نسمح للأدوار السياسية لأسماء التياب بأن تطغى على المتعة التي وجدتها النساء في الأزياء ذاتها. تصف ليلى أبو العلا في روايتها “المُترجمة” المتعة اليومية والحسية لارتداء التوب والزينة الأخرى : “استقبلت العطر المفاجيء، الأزهار المطرزة على التوب الذي بلون الشمس، وقوامه القريب للغاية… صندل عمتها ذي الكعب العالي صنع ضجة نقرية على القرميد. صندل أصفر ليتماشى مع التوب، أظافر قدم مطلية بلون أحمر طوبي، أعقاب نظفت وأزيلت قشرتها بانتظام، ومسحت بالكريم يوميا”. 10
التياب الجميلة وأظافر القدم المطلية، كانت كلها جزءا من التجربة الحسية في الحياة اليومية لنساء السودانيات في الشمال. الأمر الفائق الأهمية، أن التياب زينت النساء من كل الأشكال والأحجام والاعتقادات. ورغم أن الأسماء المستفزة كانت ذات جاذبية، يجب علينا أن نعرف أن النساء اخترن تيابهن واضعات في حسبانهن أفضل مظهرٍ في الإمكان. لذا لا يمكننا ولا يجب علينا في محاولتنا لفك مغاليق هذه الشفرة أن نفصل بين الأجندة السياسية والذوق الشخصي. وفي تمحيصنا للأهمية السياسية للتوب، يتوجب علينا ألاّ نهمل صلة المرأة الفيزيائية والحسية بلمبسها.
إضافة إلى متع الموضات المتغيرة، فقد ارتاحت النساء السودانيات إلى الأصالة الثقافية لملابسهن. وقد كان التوب وسيلة للإبقاء على هوية سودانية مميزة وتأكيدها، في وجه الحكم الإمبريالي للواردات الثقافية الغربية. وظيفة التوب المستمرة بوصفه زيّا يميز خصوبة النساء ويحتفي بها، ذات أهمية خاصة هنا. وفرّ التوب سردا مزدوجا للتطور الوطني للنساء ولمراحلهن الحميمة الأساسية. وقد استقت الناشطات النسويات حشمة التوب وتاريخه الطويل لتأطير مطالبهن السياسية بنفحة من الولاء الثقافي.
بالمثل، فإن إصرار ست حواء على ارتداء التوب طوال رحلتها في إنجلترا كان فعل مناوئة- لكن فعل راحة في الوقت ذاته. فقد جذّر التوب ست حواء في السياسة والقيم والمتع السودانية حتى وهي تستكشف شوارع لندن.
رغم قصر الحيوات المادية للتياب، فإن أسماءها الباقية في الذاكرة تمثل أرشيفا حيويا، وغير معترفٍ به بعد. انتقدت المؤرخة انطوانيت بورتون الباحثين في ميلهم لـ”عزل ذكريات النساء” بوصفها محض “تذكارات”؛ وقد حاججتْ بأن النساء يستخدمن الممارسات المنزلية كمصدر أرشيفي يشيدن منه “تواريخهن الخاصة، ويسجلن عبره تناقضات الحياة”. 11
رغم أنهن كن ممنوعات من الأشكال المباشرة للمشاركة السياسية في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن النساء السودانيات بثثن رسائلا سياسية بارعة عبر نسيج ملابسهن. “رموش أولادبري” و”الاستقلال”، و”أزهري في المطار” و”أسبوع المرأة” تشكلّ عند تجميعها معا سردية جمعية لتطلعات النساء وقيمهن وتجاربهن المعاشة؛ وتميّز وتحفظ تناقضات الحياة في ظل الإمبريالية والعقود الأولى من الاستقلال.
على غرار النساء اللائي ارتدينهن، فقد وجدت التياب في مجتمعات عوضا عن الوجود منعزلة. واستخدمت التقليعات المتغيرة لقوام القماش وأنماطه و”قَطْعَهُ” لإضفاء معنى على المصفوفة المدوخة من الشخصيات السياسية والأحداث العالمية والثقافة الشعبية. كما أن المرأة لم تقتصر على رسائل التياب التي في خزانتها؛ فتياب القريبات والصديقات، والتقليعات التي تخطتها الموضة والتياب الفاخرة صعبة المنال التي عرضت على نوافذ المتاجر، وفرّت كلها فرصا لها لمناقشة العالم من حولها والنظر إليه.
وبينما كانت المرأة تمارس حركتها اليومية فقد لامس توبها ولاقى تياب الجارات والغريبات. لذا فإن الحكايات التي كانت تنقلها المرأة في ملابسها لم تكن خطيّة، تتنتقل من لحظة مهمة إلى التي تليها. بل إن التياب والسياسة التي رافقتها كانتا على صلة وثيقة، موجودتان جنبا إلى جنب، ومشكلتان طبقات على نحو عَكَسَ ملامح حيوات النساء.
لأرشيف الموضة والذاكرة هذا أهمية حاسمة لباحثي اليوم، المستمرّين في البحث عن الأصوات التابعة والمهمشة المستبعدة، في الغالب، عن السرديات المعيارية. ومما يجدر الإقرار به أن تحليل التوب بوصفه أرشيفا فنٌّ أكثر من كونه عِلما. بالإضافة إلى الموضات المتغيرة، فإن المضامين والقيم الثقافية للتوب قد تغيرت بمرور الزمن. كما أنه ليس بإمكاننا أن نعرف، على وجه اليقين، ما دار بخلد النساء وهن يرتدين كسوتهن. لكن تغيرية التوب وتعقيده ذاتهما يجعلان منه مصدرا تاريخيا قيّما. بتعرّفنا على المتع والسياسة التي أولتها النساء لأزيائهن، فإننا نقتبس لمحة من ثراء تاريخ النساء السودانيات الذي لم يتم تسجيله في أي مكانٍ آخر.
ماري قريس براون أستاذة التاريخ بجامعة كانساس بالولايات المتحدة الأمريكية ومؤلفة كتاب “الخرطوم بالليل: الموضة وسياسة الجسد في السودان الإمبريالي”
Fashion and Body Politics in Imperial Sudan: khartouma at Night
مراجع وهوامش
[1]Nafisa Ahmed el Amin, Director, Documentation Unit for Women’s Studies, conversation with author (Ahfad University,July 22, 2013).
[1]Janice Boddy, Civilizing Women: British Crusades in Colonial Sudan (Princeton: Princeton University Press, 2007), 79.
[1] This essay focuses on the experiences of northern Sudanese women. The fashions and history of women in southern Sudan are equally rich and deserving of their own study.
[1]A central text is Timothy Burke, Lifebuoy Men, Lux Women: Commodification, Consumption, and Cleanliness in Modern Zimbabwe (1996). See also Jean Allman, Fashioning Africa: Power and the Politics of Dress (2004); “Fashioning the Colonial Subject” in John and Jean Comaroff, Of Revelation and Revolution: The Dialectics of Modernity on a South African Frontier, vol 2 (1997); and Hildi Hendrickson, Clothing and Difference: Embodied Identities in Colonial and Post-colonial Africa (1996).
[1]Hildi Hendrickson, Clothing and Difference: Embodied Identities in Colonial and Post-Colonial
Africa (Durham: Duke University Press, 1996), 15.
[1]Griselda el Tayib, “Women’s Dress in the Northern Sudan,” in The Sudanese Woman, ed. Susan Kenyon (Khartoum: Graduate College, University of Khartoum, 1987), 42, 48.
[1]Two sources are particularly helpful in documenting the history of Sudanese fashion. Ali Bahr Aldin Ali-Dinar, “Contextual Analysis of Dress and Adornment in Al-Fashir, Sudan” (Philadelphia: University of Pennsylvania, 1995); and Griselda el Tayib, “An Illustrated Record of Sudanese National Costumes,” (Masters Thesis, University of Khartoum, 1976).
[1]el Tayib, “Women’s Dress in the Northern Sudan,” 54.
[1]Jean Allman, Fashioning Africa: Power and the Politics of Dress(Bloomington: Indiana University Press, 2004), 5.
[1]Leila Aboulela, The Translator (Edinburgh: Polygon, 2003), 47.
[1]Antoinette Burton, Dwelling in the Archive: Women, Writing House, Home, and History in Late Colonial India (Oxford: Oxford University Press, 2003), 5.